الأسرى الفلسطينيون بين تهديد الكورونا وقمع وإضطهاد الإحتلال

ملخص إعلامي
نيسان 15، 2020

المقدمة

لم يقتصر إعتقال الأسرى الفلسطينيين والتنكيل بهم، منذ أكثر من نصف قرن على بدء الإحتلال، على عوامل ذات صفة محددة. فقد استباحت سلطة الإحتلال إعتقال الفلسطينيين بشكل متواصل وممنهج وواسع النطاق في كل الظروف والحالات والأوقات، مستندة إلى منظومة مشوهة من القوانين العسكرية والتشريعات العنصرية التي أجازتها لنفسها كقوة فوق القانون، وسياسات مارست فيها كل أساليب القمع والحرمان والإضطهاد في مخالفة لجميع الشرائع والقوانين الدولية والإنسانية، دفع فيها الأسرى ضحايا الإحتلال ثمناً باهظاً دفاعاً عن كرامتهم وكرامة أبناء شعبهم.

يُسلّط هذا الملخص الإعلامي الضوء على أبرز الإنتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين في يومهم الذي يصادف 17 نيسان من كل عام، وخاصة في ظل حرمانهم من حاجات ومواد أساسية، وإنتشار فايروس كورونا- كوفيد 19، وأثر ذلك على حياة وصحة الأسرى. كما يشكل دعوة متجددة إلى المجتمع الدولي من أجل التحرك الفوري لإنقاذ حياة الأسرى وضمان سلامتهم قبل فوات الأوان، ومحاسبة السلطة القائمة بالإحتلال على إنتهاكاتها بحقهم في كل الأوقات.

الإجراءت والسياسات التعسفية الإسرائيلية متواصلة على الرغم من إنتشار فايروس كورونا

لدى تفشي وباء كورونا في العالم، وإعلان دولة فلسطين حالة الطوارئ منعاً لإنتشاره ولحماية المواطنين، أمعنت إسرائيل، وبشكل متنافر مع الطبيعة الإنسانية، في تعزيز أدواتها القمعية ضد الشعب الفلسطيني، وخاصة سياسة الإعتقال والتضيق على الأسرى داخل السجون، كان من أهم وأبرز هذه الإجراءات الوحشية:

  • مواصلة قوات الإحتلال لحملات الإحتجاز والاعتقال المتواصل للمواطنين الفلسطينين في جميع أنحاء مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة وسط التخوفات الكبيرة من إنتشار فايروس كورونا، حيث وصلت الإعتقالات منذ شهر مارس/ آذار إلى أكثر من (357) مواطناً من بينهم (48) طفلاً و(4) نساء، علماً أنها اعتقلت منذ بداية عام 2020 فقط نحو 1324 فلسطينياً منهم 210 أطفال و31 امرأة.[1]

  • إحتجاز سلطة الإحتلال لـ (8) مواطنين أثناء قيامهم بعمل تطوعي لتعقيم مرافق وشوارع أحياء مدينة القدس من الفايروس في 26 آذار الماضي، كما احتجزت 4 مواطنين في باب الأسباط في البلدة القديمة بالقدس لنفس السبب، وصادرت معدّات التعقيم في 23 آذار. ومنعت متطوعين من تنفيذ وإكمال عملهم على التعقيم ورفع الوعي حول الوقاية من الفايروس في البلدة القديمة في الخليل، وأجبرتهم على الخروج بقوة السلاح في 24 آذار.

  •  إستهداف قوة الإحتلال لمقار لجان الطوارئ الفلسطينية ومداهمتها، كما حصل في بلدة حزما في 30 آذار الماضي، والإعتداء على العاملين فيها وعلى الطواقم المنتشرة  على مداخل البلدة، وكذلك الأمر في قرية صور باهر التي إعتقلت فيها قوات الاحتلال 3 مواطنين من أعضاء لجان الطوارئ فيها، بعد أن صادرت 300 طرد غذائي كان سيتم توزيعها على عائلات بحاجة إلى المساعدة في 31 آذار.

  •  إحتجاز القيادات الفلسطينية بشكل متكرر في القدس المحتلة وباقي مناطق فلسطين، وتشديد الخناق على المدينة، في 3 نيسان إعتقلت شرطة الإحتلال ومخابراتها وزير القدس فادي الهدمي بعد أن حاصرت منزله بإستخدام الكلاب البوليسية، وحطمت أبوابه الخارجية والداخلية، واعتدت عليه خلال عملية التحقيق، وأجبرته على إرتداء كمامة مستعملة عليها بقع من الدماء. كما أعادت إعتقال محافظ القدس عدنان غيث في 5 نيسان، بالإضافة إلى أحد أفراد الشرطة المدنية الفلسطينية من مدينة نابلس، إبراهيم أبو غوش، بعد إقتحامها في 2 نيسان.

  • مواصلة مصلحة سجون الإحتلال لقرارها العنصري سحب نحو 140 صنفاً من المواد الغذائية والحيوية ومواد النظافة الصحية من السجون، وخاصة أداوات التعقيم وغيرها من المواد، وإبقاء الأصناف باهظة الثمن، وتخفيض عدد المحطات التلفزيونية من عشرة إلى سبع، وتخفيض عدد أرغفة الخبز للأسير الواحد، وسحب البلاطات التي تستخدم للطبخ، ووقف ودائع السلطة الوطنية الفلسطينية لهم، ومنع إدخال إحتياجاتهم، ومنعهم من التواصل مع عائلاتهم عبر الهاتف بعد أن كانت منعت زيارة الأهالي والمحاميين في ظل ظروف عالمية صعبة من إنتشار كورونا.

  • رفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي الإفراج عن الأسرى الأكثر ضعفاً بمن فيهم الأسرى المرضى وكبار السن، والأطفال والنساء والإدارييين والذين قاربت محكوميتهم على الإنتهاء، ورفضها القيام بالإجراءات والتدابير الإحترازية والوقائية الجدية لحماية المعتقلين الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية لمواجهة الفايروس، وإيقاف نظام الخصم "المنهلي" الذي تستخدمه للحد من إكتظاظ السجون.

إسرائيل نظام إستعماري فريد في التحكم والقمع

في ظل إنتشار الوباء، أصدرت منظمة الصحة العالمية سلسلة من المبادئ التوجيهة بالتعاون مع المفوضة السامية لحقوق الإنسان حول كوفيد 19 والتركيز على الأشخاص المحرومين من حريتهم[2]،  وأطلقت الأمم المتحدة نداءات عاجلة للإفراج عن السجناء وإتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأشخاص المحرومين من حريتهم أثناء الوباء، بما فيها بيان المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، والتي أكدت فيه على ضرورة أن تقوم الحكومات بإطلاق سراح كل معتقل دون أساس قانوني كافٍ، بما في ذلك السجناء السياسيين لتعبيرهم عن آراء نقدية أو مخالفة، وكذلك فعلت اللجنة الفرعية لمنع التعذيب (SPT)[3].  وكذلك أطلق مبعوثو الأمين العام للأمم المتحدة للشرق الأوسط بياناً مشتركاً صدر في 11 نيسان الحالي، طالبوا فيه "بإيلاء إهتمام خاص لمحنة المعتقلين والمخطوفين والمفقودين، وللإفراج الإنساني، ولحرية وصول المنظمات الإنسانية، ولخطوات عاجلة لضمان رعاية طبية كافية وتدابير وقائية في جميع أماكن الإحتجاز"[4].

وبناء على هذه التوجيهات ولإحتواء إنتشار الفايروس، استرشدت بعض الدول الأوروبية بإتخاذ إجراءات محدة لضمان سلامة السجناء تحسباً من عواقب الوباء على الظروف المعيشية في السجون، وأدخلت التحسينات عليها في ظل هذه الأوضاع الصعبة عالمياً. فعلى سبيل المثال: "إتخذت إدارة السجون البلجيكية تدابير عديدة لحماية السجناء وموظفي السجون، وتم تصنيع 3000 قناع طبي تم توزيعها في السجون منذ 13 آذار الماضي، ولا زال العمل في طوره لإنتاج العديد منها وتوزيعها. وفي فرنسا، أعلنت وزارة العدل أنه سيتم إطلاق سراح حوالي 5000 شخص ممن شارفت مدة سجنهم على الإنتهاء، ومنحت كل سجين رصيد بقيمة 40 يورو إضافياً على حساب هاتفه بشكل شهري، وهو ما قامت به هولندا أيضاً. وفي ألمانيا، علّقت العديد من الولايات الفيدرالية الأحكام على القصرّ وأفرجت عنهم. وفي لوكسمبورغ، زادت إدارة السجون غرف الزيارة المخصصة لمكالمات (Skype) بالصوت والصورة".[5]  وفي دول أخرى مثل المملكة المتحدة، "تم الإفراج عن (6) سجينات حوامل منذ 31 آذار بإعبتارهن الأكثر عرضة للخطر، وتم منحهن الإفراج المؤقت لحمايتهن وأطفالهن الذين لم يولدوا بعد، كما تضمنت الخطوة أمهات محتجزات مع أطفالهن الصغار. وقد أعلنت وزارة العدل في 9 نيسان الحالي، أنه سيتم الإفراج عن أكثر من 4000 سجين في كل المملكة من أجل السيطرة على انتشار الوباء."[6] وفي كندا، أفرج القضاة عن مجموعة من السجناء بإعتبار أن بقاءهم خلف القضبان سيوجه لهم مخاطر غير ضرورية في ظل إنتشار كوفيد 19 في البلاد[7].

أما في إسرائيل، فقد "أصدرت سلطة السجون قراراً بالإفراج عن 500 سجين جنائي إسرائيلي تقترب محكوميتهم على الإنتهاء، على أن يتم تحويلهم للحبس المنزلي، والإفراج عنهم بعد إنتهاء فترة الحكم، وزادت الكانتينا لكل سجين جنائي بمئات الشواقل، في الوقت الذي سمحت به بصرف مبلغ 200 شيكل إضافي لكلٍ من السجينات والسجناء خلال عيد الفصح اليهودي"[8].

على الرغم من أن أسرى فلسطين لدى سلطة الإحتلال هم من الأسرى السياسيين، إلا أنها وبدلاً من البدء الفوري بالإفراج عن الأكثر ضعفاً أو على الأقل إتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع إنتشار الفايروس، فقد انتقت سلطة الاحتلال تطبيق توجيهات المنظومة الدولية الحقوقية والتيمن بتجارب بعض الدول على سجنائها الجنائيين فقط، وإكتفت إدارة السجون بمنع جميع الزيارات العائلية للأسرى الفلسطينيين دون توفير بديل، ووقف الإتصال المباشر مع المحامين، وأحكمت السيطرة على "نحو 5000 أسير فلسطيني في سجونها، بينهم نحو 180 طفلاً، و41 أسيرة، ونحو 430 معتقلاً إدارياً دون لائحة إتهام، و700 أسير مريض، منهم نحو 300 حالة مرضية مزمنة بحاجة إلى علاج مستمر، أخطرها صحياً 16 أسيراً يعاني من نقص في المناعة وأمراض مختلفة من بينها السرطان والكلى والقلب". علماً أن عدد الأسرى الذين قتلتهم إسرائيل داخل سجونها وصل 222 أسيراً فلسطينياً منذ بدء إحتلالها 1967 ، 67 شهيداً منهم إستشهدوا بسبب سياسة الإهمال الطبي المتعمد والتعذيب، 5 أسرى منهم قضوا في عام 2019 وحده، لنفس السبب. "[9].

هذه الإجراءات هي تعبير خالص على سلوك النظام الإستعماري الفريد والشاذ القائم على عقلية السيطرة والقمع البوليسي الممنهج ضد الشعب الفلسطيني، والذي يهدف في نهاية المطاف إلى تدمير وتفكيك النسيج الاجتماعي والبنيوي الفلسطيني من خلال ترسيخ عزل أبناء شعبنا عن محيطهم الخارجي وعائلاتهم بشكل خاص.

خطة ترامب والأسرى الفلسطينيون

تتناغم مخططات إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، مع خطة ترامب التي أفردت مساحة هامة للأسرى الفلسطينيين ولكن ضمن شروط تعجيزية ومدروسة تتوافق والشروط الإسرائيلية بشكل تام. إذ منحت الخطة إسرائيل السلطة المطلقة بالتحكم بعملية الإفراج عن الأسرى بما في ذلك التوقيت. وإشترطت بمخالفة جوهرية لمبادئ حقوق الإنسان على كل سجين يُفرج عنه التوقيع على تعهد بصيغة إيدولوجية غامضة تتحدث عن تعزيز فرص التعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن يتصرفوا بطريقة تعطي نموذجاً للتعايش، وتنص على أن السجناء الذين يرفضون التوقيع سيبقون في السجن. كما نصت الخطة على "إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين الإداريين الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية بإستثناء 1- المدانون بالقتل والشروع بالقتل، والمدانون بتهمة التآمر لإرتكاب القتل، و3- المواطنون الإسرائيليون". علماً إن المبدأ الأساسي في كل النزاعات هو تحرير الأسرى لدى إنتهاء النزاع وتوقيع الإتفاق، وهنا تطبق الخطة هذا المبدأ على الأسرى الإسرائيليين بأيدي المقاومة الفلسطينية. أمّا بشأن الأسرى الفلسطينيين فهي تستثني منهم ثلاث فئات "المدانين بالقتل والشروع بالقتل، والمدانين بتهمة التآمر بالقتل، وحملة الجنسية الإسرائيلية".  من المهم الإشارة إلى أن الإدانات المذكورة تمت بفعل محاكمات عسكرية إسرائيلية لا تتوفر فيها الحدود الدنيا من المعايير المتعارف عليها دولياً للمحاكمة العادلة. فضلاً عن كونها خالفت القانون الدولي بإجرائها في دولة إسرائيل وليس في المناطق المحتلة. أما باقي الأسرى، فلن يتم الإفراج عنهم حتى إعادة الجنود الإسرائيليين أو رفاتهم إلى دولة إسرائيل، وستتم عملية الإفراج ليس فور توقيع إتفاق السلام كما هو معمول به عادة بل على أكثر من مرحلة.

لقد أعربت القيادة الفلسطينية بشكل متواصل ودائم عن عدم إعترافها بهذه الخطة، ورفضها المطلق لكل ما جاء بها من إملاءات وشروط لا يقبل الشعب الفلسطيني بها، ومن أهمها قضية الإفراج عن جميع الأسرى بلا شرط أو قيد بإعتبارها ركيزة أساسية لأي حل عادل وشامل مستقبلي يقود إلى تجسيد سيادة دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس.   

خطرٌ داهم يواجه الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الإحتلال

عبّر الأسرى الفلسطينيون عن قلقهم وتخوفهم الشديد من تفشي كوفيد 19 داخل السجون على إثر انتشاره المتسارع في دولة الإحتلال، وإصابة بعض السجانين والمحققين الإسرائيليين به، وطالبوا أحرار العالم بألا يتركوهم  يموتون على أسرّتهم بينما تنتشر العدوى دون أن يعالجها أحد، وطالبوا بالتدخل العاجل لإنقاذ حياتهم، كي لا تتحول السجون إلى مقابر جماعية، وأعربوا عن إستهجانهم من طريقة إستهتار سلطة سجون الإحتلال بالتعامل معهم في ظل هذه الظروف، وذلك من خلال رسائل[10] ومناشدات عديدة أطلقوها من داخل السجون، ووجهوها إلى المؤسسات الحقوقية الفلسطينية وإلى المجتمع الدولي لإنقاذ حياتهم في ظل رفض سلطة السجون إتخاذ التدابير وفحص الأسرى وغيرها من الإجراءات واجبة الإتباع، خاصة بعد الإفراج عن الأسير نور الدين صرصور في 1 نيسان الحالي من سجن "عوفر"، والذي تبيّن إصابته بفايروس كورونا.

إن الظروف التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون في الحالات الإعتيادية صعبة للغاية، ترقى معظمها إلى جرائم بنظر القانون الدولي الإنساني، يعانون فيها من سياسات الإهمال الطبي المتعمد، والتعذيب والتنكيل، والعزل في الزنازين الإنفرادية، والمعاملة اللاإنسانية والحاطة من الكرامة، والاعتداء بالضرب وفرض العقوبات، والحرمان الشديد من الحرية والتواصل الإنساني.

وفي ظل إفتقار السجون إلى النظافة العامة والتهوية والإرتفاع الشدبد في الرطوبة، والنقص الحاد في مواد التنظيف العامة والمبيدات الحشرية فكيف ستؤول حال السجون إذا ما أصيب الأسرى بالفايروس؟

 

شهادات حية من داخل السجون التي يعدّ وجودها في إسرائيل إنتهاكاً صارخاً لإتفاقية جنيف الرابعة[11]  

 

(1) يقول الأسير محمود، 35 عاماً، من نابلس، والذي يقضي محكوميته في سجن نفحة[12]:

"يوجد في القسم المتهالك والقديم الذي أتواجد فيه 54 أسيراً، منهم أكثر من 7 أسرى مرضى وكبار السن، يتهدد حياتهم الموت في كل لحظة. ندير حياتنا اليومية بكثير من الحرص بعد أن قطعت مصلحة السجون عنا أكثر من 140 صنفاً من المواد الغذائية والأساسية بما فيها أدوات التنظيف التي نحن بأمس الحاجة لها الآن، حتى أنهم سحبوا مادة الكلور في البداية وقمنا بالإحتجاج حتى أعادوها. وينطبق ذلك على عدم توفر النقود، فنحن نعيش على حسابنا الشخصي بعكس كل السجناء في العالم، ونقوم بدفع جميع ملتزماتنا من الغذاء والدخان والملابس وغيرها، ولكن بسبب قطع زيارة الأهالي والمحاميين فإننا نعيش في ضائقة مالية صعبة للغاية.  وللأسف، العالم مشغول عن ممارسات الإحتلال بحقنا في ظل تفشي كورونا". وأشار محمود إلى الغلاء الشديد في أسعار الكانتنيا، وأردف: "أسعار الكانتينا تضاعف أسعار السوق، ونحن نعلم أن الشاباص وشركة داداش تسرقان أموالنا عن طريق رفع الأسعار، وتتربحان من وجودنا في السجن، أنا على إستعداد شخصي لرفع قضية على الشاباص والشركة في المحكمة".

وحول تدابير مصلحة السجون للحدّ من إنتشار الفايروس يضيف: "إننا قلقون جداً من إستهتار الشاباص في التعامل بجدية في هذا الشأن، فهم يقومون بحماية وتعقيم أنفسهم بشكل متواصل بإرتداء القفازات والأقنعة ويحرموننا منها، ولأننا ندرك بأن العدوى من الفايروس سوف تهاجمنا آجلا أو عاجلاً بسبب إهمالهم، وخاصة بعد أن سمعنا عن إصابة نائب مدير سجن عوفر بالفايروس، فقد اعتمدنا على أنفسنا في إجراءات الحماية من خلال تعقيم الغرف والأقسام وحتى الأغذية التي نحصل عليها من الكانتينا بالماء الساخن والصابون والكلور المتوفر لأنهم لا يعقمون أياً منها".

ويتابع: "إن إسرائيل تتخذنا كرهائن لديها، ونحن نعلم أنه لا سمح الله إن أصيب أسير سياسي فلسطيني بالفايروس فلن تزيل إسرائيل جهاز تنفس عن فم إسرائيلي وتضعه في فمنا، ولن تزيل سريراً لإسرائيلي وتوفره لنا، ولن تقدم الرعاية الطبية المطلوبة فهي لا تقدمها في الأحوال الطبيعية، وستيم التعامل معنا ليس كدرجة ثانية أو ثالثة بل كدرجة أخيرة، إن إجراءات مصلحة السجون من شأنها أن تخلق التوتر وعدم الإستقرار في صفوف الأسرى". 

يقول محمود حول حالة القلق والتوتر التي تعتري الأسرى بشكل عام على أهلهم في ظروف انتشار الكورونا وإنقطاع التواصل: "للمرة الأولى منذ الإعتقال نشعر بأننا نحن من يريد الإطمئنان على الأهل والأصدقاء وليس العكس، إنه من أبسط الحقوق الإنسانية الإطمئنان على أحوالهم في ظل الحد من الحركة وإصابة العديد من المواطنين، ومن حقهم الإطمئنان علينا، فالخطر لا زال قائماً، وبإنتظارنا وضع كارثي إن لم يتحرك العالم الآن قبل حصول مجزرة وفيات في السجون".

 

(2) ويقضي الأسير حسين، 42 عاماً، من القدس، محكوميته في سجن النقب الصحراوي[13]، ويقول:

"نحن مجتمع مصغر ومتعدد، نعيش في ظروف قاسية في هذه الخيم التي أقيمت لغرض القمع والإضطهاد فقط، ولدينا العديد من كبار السن ومن يعاني من أمراض مزمنة، وهناك أسرى بحاجة إلى مدعمات بسبب نقصان المناعة، ونفتقر لأبسط حقوقنا في الطبابة والعلاج والحصول على الدواء، ولوجود طواقم طبية كتلك التي نسمع عنها في كل سجون العالم، يوجد لدينا عيادة واحدة نطلق عليها اسم المسلخ،  هذا إن علمتم أن بيئة السجن غير صحية بتاتاً ولا تصلح للإحتجاز البشري".

ويضيف حول حرمانهم من 140 صنفاً: " وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة أصلا، مارست علينا سلطة السجون سياسة الإبتزاز والعقاب بحرماننا من مواد رئيسة نحن بحاجة قصوى إليها، كما سبّب لنا عدم القدرة على إدخال النقود أزمة كبيرة داخل السجن، فنحن لسنا كباقي المعتقلين في العالم الذين يتمتعون بحقوق الحصول على كافة إحتياجاتهم على حساب الدولة المعتقلة، نقوم نحن بدفع الملبس والأغطية والغذاء والدخان وغيرها على نفقتنا الخاصة..(..).. أصبحت حقوقنا مجرد مطالب نقدمها  لمصلحة السجون ومع ذلك تقابلها بالرفض، وقد ردت علينا مؤخراً أنها تدرس مطالبنا وسترد علينا عقب الإنتهاء من عيد الفصح اليهودي، ولكن تجربتنا الطويلة معهم تنذرنا بأنهم لن يقوموا بالإستجابة لنا، فنحن لا نحصل على أي حقوق في الأحوال الطبيعية فما بالك في حالة الوباء". 

ويتابع حول كوفيد 19: "إنتشر الرعب بيننا لدى سماعنا برفض المصلحة فحص عينات من سجن عوفر بعد الإفراج عن الأسير المصاب نور الدين صرصور، واكتفائها بنقل المخالطين له في القسم إلى سجن آخر وعزلهم فيه، وهو ليس محجراً صحياً بل زنازين منفردة يشكل وجودهم فيها عقاباً. لم تزودنا مصلحة السجون بالكمامات أو المعقمات، ولم تتبع توصيات منظمة الصحة العالمية. هناك دول عظمى لم تستطع التعامل مع أزمة كورونا، فماذا سنفعل نحن إذ لا قدّر الله انتشر الوباء في أوساطنا؟ حيث لا يتم تعقيم الأمكنة التي ننام فيها أو نأكل فيها أو في الساحات، إننا في وضع دقيق جداً، وندعو جميع المؤسسات الفلسطينية والعربية والدولية وأعضاء الكنيست العرب في الداخل للتدخل، فما يجري هنا لا يحتمله بشر. ونطالب بأن يتم التعامل معنا حسب إتفاقات جنيف والإتفاقات الدولية، والتمتع بكافة حقوق الأسرى، وتفعيل ملف الأسرى في المحكمة الجنائية الدولية".

طالب الأسيران بالإفراج الفوري في هذه المرحلة على الأقل عن الأسرى المرضى وكبار السن والأطفال والنساء، والتركيز على الملف الطبي والإهمال المتعمد من قبل مصلحة السجون.

 

(3) الأسير فؤاد الشوبكي، 81 عاماً، من قطاع غزة، يقضي محكوميته في سجن النقب.

يُطلق عليه الأسرى إسم الجد، كونه أكبر الأسرى سناً. يقول إبنه حازم الشوبكي: "يعاني والدي من قائمة طويلة من الأمراض، ووضعه الصحي في تراجع مستمر، نظراً لكبر سنه، ونتيجة لظروف السجن الصعبة والإهمال الطبي، يعاني من سرطان البروستات والسكري والضغط ومشاكل في النظر، وضعف الدم. نُقل إلى مستشفى الرملة أكثر من مرة بعد تدهور وضعه الصحي، وقد أجرى مؤخراً عملية في عينه وسبقتها عمليات أخرى تم فيها إستئصال جزء من الكلى لوجود ورم حولها".

ويضيف: "لا يتلقى والدي العلاج المناسب، وكل ما يحصل عليه هو المسكنات والفحوص كل فترة زمنية، لقد تراجع وضعه الصحي إلى درجة بات فيها لا يقوى على المشي أو الحراك أو الذهاب إلى الحمام دون مساعدة من زملائه".

وحول إنتشار كوفيد 19 يردف حازم: "نحن لا نعلم كيف يتعامل والدي وباقي الأسرى مع هذه الأزمة التي تعصف بالعالم أجمع، وكيف يواجهون القلق من انتشار العدوى في السجون في ظل عدم تبني إدارتها لإجراءات الوقاية والحماية. إنه من الطبيعي أن تقوم إسرائيل بالإفراج الفوري عن والدي وعن كل الأسرى المرضى وكبار السن، فما الخطر الذي يشكله كهل مريض عليها بعد خروجه؟ كل ما نريده هو الإطمئنان عليه فنحن لا نعرف هل هو حي أم يشارف على الموت؟  نريده فقط أن يقضي ما تبقى من حياته مع أبنائه وأحفاده".

الخاتمة: المساءلة الدولية واجبة لإلزام إسرائيل بواجباتها كسلطة مُعتقلة وإنقاذ حياة الأسرى

وسط التخوفات الشديدة على مصير الأسرى داخل السجون في ظل هذه الظروف الإستثنائية، ومسارعة جميع المكونات الرسمية والمدنية من المنظمات السياسية والحقوقية الفلسطينية والدولية إلى التحرك على الصعد القانونية والسياسية والدبلوماسية للمطالبة بالإفراج الفوري عن الأسرى وتوفير الحماية لهم، وفي ظل عدم تجاوب إسرائيل مع المطالبات الفلسطينية والدولية وتملصها من الإنصياع لأحكام القانون الإنساني الدولي، فإن فلسطين تجدد مطالبها لهيئات الأمم المتحدة والدول الأطراف المتعاقدة على إتفاقيات جنيف والمقررين الخاصين للأمم المتحدة بالإضطلاع الفوري بمسؤولياتهم لوضع إسرائيل أمام واجباتها كسلطة مُعتقلة، والضغط عليها للإفراج الفوري عن الأسرى المرضى وكبار السن والأطفال والنساء والإداريين ومن قاربت محكوميته على الإنتهاء، وفتح السجون الإسرائيلية أمام لجنة دولية للتفتيش والتحقيق، ومعاينة الأسرى، والتأكد من توفير الإجراءات الوقائية لمنع تفشي الفايروس، والتأكد من ضمان سلامتهم وحمايتهم كما نصت عليه القوانين الدولية والإنسانية وقانون حقوق الإنسان. وتدعو بشكل خاص اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتواصل الفعال مع الأسرى في ظل حرمانهم من التواصل مع محاميهم من أجل طمأنة أهلهم وتوفير وسيلة إتصال فوري معهم. وتدعو المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها أحد أدوات المساءلة والعدالة إلى الإسراع في فتح التحقيق الجنائي قبل ان تبدأ إسرائيل بإحصاء الضحايا في سجونها.

إن نضال شعبنا المشروع في فضح ممارسات الإحتلال وسجانيه، ومساءلته على جرائمه في المنابر الدولية وتحقيق العدالة المنتظرة هو فعل وحق إنساني وقانوني وسياسي صافٍ من أجل إنصاف ضحايا شعبنا، وإنهاء حقبات مظلمة من تاريخ الإحتلال البغيض.   


[1]  تقرير مؤسسات الأسرى ( نادي الأسير، وهيئة شؤون الأسرى والمحررين، ومؤسسة الضمير ) في 7 نيسان 2020

[8]  بيان صحفي لمؤسسة الضمير 9 نيسان 2020: سلطات الاحتلال تزيد من ممارساتها العنصرية تجاه الأسرى، في ظل أزمة فايروس كوفيد 19.

[9]  تقرير مؤسسات الأسرى لشهر آذار 2020 (نادي الأسير، ومؤسسة الضمير رعاية الأسير وحقوق الإنسان، وهيئة شؤون الأسرى والمحررين) 

[10]  إحدى رسائل الأسرى بتاريخ 25 آذار 2020: http://wafa.ps/ar_page.aspx?id=0nzuG6a872688023031a0nzuG6

[11]  نقل الأسرى الفلسطينيين إلى دولة الاحتلال ينتهك المادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة. "يحتجز الأشخاص المحميون المتهمون في البلد المحتل، ويقضون فيه عقوبتهم إذا أدينوا. ويُفصلون إذا أمكن عن بقية المحتجزين، ويخضعون لنظام غذائي وصحي يكفل المحافظة على صحتهم ويناظر على الأقل النظام المتبع في سجون البلد المحتل. وتقدم لهم الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية. ويكون لهم الحق أيضاً في تلقي المعاونة الروحية التي قد يحتاجون إليها".

[12] سجن نفحة :هو سجن صحراوي بارد جداً شتاء وحار جداً صيفاً، يبعد 100 كم عن مدينة بئر السبع، و 200 كم عن مدينة القدس، ويعدّ من أشد السجون الإسرائيلية وأقساها حيث اُستحدث خصيصاً للقيادات الفلسطينية من المعتقلين في مختلف السجون من أجل عزلهم عن بقية السجون الأخرى. يحاط بتحصينات أمنية شديدة للغاية، ويتكون البناء الجديد في سجن نفحة من (3) أقسام يتسع كل قسم منها لنحو (120) معتقلاً، ويتكون كل قسم من (10) غرف في كل غرفة نحو (10) معتقلين ولا تتجاوز مساحة الغرفة الواحدة (5 ـ3 متر مربع)، يوجد بها مرحاض ومغسلة ويبلغ إرتفاع الغرفة نحو (5. 2 متر)، فيها نافذة واحدة للتهوية مساحتها نحو (80ـ ـ120سم).

[13] سجن النقب: أقامته إسرائيل في عام 1988، لإستيعاب آلاف الفلسطينيين الذين إعتقلتهم من الضفة الغربية وقطاع غزة إثر إندلاع الانتفاضة الكبرى. ولم تلبث سلطات الاحتلال إغلاق المعتقل عام 1996 إلى أن أعادت فتحه في نيسان 2002 لإستيعاب آلاف آخرين من أبناء شعبنا الذين اعتقلتهم لمشاركتهم في إنتفاضة الأقصى. يقع السجن على بعد 180 كم جنوب مدينة القدس وعلى بعد 10 كم شرق الحدود المصرية، وعلى الرغم من وقوعه في الصحراء، فقد زادت إسرائيل من عزلته بتشييد  المزيد من الجدران الإسمنتية الكثيفة. ويفتقد السجن القريب من مفاعل ديمونا النووي، إلى أدنى مقومات حقوق الإنسان.

Back to top