اللاجئون الفلسطينيون: حالة طوارئ دائمة منذ إثنين وسبعبن عاماً

ملخص إعلامي
أيار 12، 2020

المقدمة

ليس من الأمر الطبيعي أو الإنساني أن يعيش المرء حالة طوارئ دائمة طوال سنيّ حياته، لكن هكذا عاش ولا يزال اللاجئون الفلسطينيون بفعل بشري إجرامي بعد أن إقتلعتهم إسرائيل وعصاباتها الصهيونية قسراً من أراضيهم وديارهم الأصلية فلسطين، وبعثرتهم في بقاع الأرض إبان النكبة الكبرى عام 1948. وتوالت النكبات المتجددة وحالات الطوارئ المستمرة للاجئين الفلسطينيين وأبنائهم وأحفادهم إمّا بسبب نفس المجرم الإسرائيلي داخل الوطن أو بفعل الظروف والاضطرابات الأمنية والسياسية والاقتصادية في الدول المضيفة ودول العالم.

بينما نشرف على تدشين السنة الثانية بعد السبعين لذكرى النكبة الكبرى، أُلحق فايروس كوفيد 19 حديثاً بقائمة الطوارئ التي لاحقت اللاجئين في كل أماكن تواجدهم عبر التاريخ الطويل والحافل بالمخاطر والتحديات، والمتمثلة أولاً بإستمرار الإحتلال الإسرائيلي وخروقاته المباشرة لحقوق اللاجئين، ورفض إسرائيل تنفيذ قرار الأمم المتحدة 194، ومنع أكثر من [1]6.171.793 لاجئاً من مختلف أنحاء العالم من ممارسة حقهم القانوني والطبيعي بالعودة منذ النكبة الكبرى عام 1948 حتى اليوم، وثانياً باستهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" من قبل إسرائيل وإدارة ترامب في محاولة للقضاء عليها وتجفيف مواردها المالية تمهيداً لتصفية قضية اللاجئين.

تتناول هذه الورقة نماذج عن أوضاع اللاجئين الفلسطينين في الوطن والمنفى ومخيمات اللجوء قبل وأثناء إنتشار فايروس كوفيد 19، وأبرز الخروقات الإسرائيلية بحقهم، والأزمة المالية للأونروا، وخطة ترامب-نتنياهو لحلّها والتخلص من قضية اللاجئين، وشهادات حية[2]، ومسؤولية المجتمع الدولي في محاسبة إسرائيل على جريمة النكبة، وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين بإعتبارها المفصل الرئيسي لحل القضية الفلسطينية.

 

اللاجئون الفلسطينيون في الوطن والمنافي:

 

1. قطاع غزة: إحدى أكبر حالات الطوارئ في عصرنا الحديث

يبلغ عدد اللاجئين في القطاع 1.386.455 أي نحو ثلتي عدد سكانه البالغ مليوني فلسطيني. يعيش نحو 600.000 منهم في 8 مخيمات معترف بها للاجئين الفلسطينيين، ,يتلقى 981.361 لاجئاً منهم حالياً مساعدات غذائية طارئة من "الأونروا"[3]. تسبّب الحصار الإسرائيلي غير القانوني وإنتهاكات الإحتلال المختلفة، بما فيها الحروب المتتالية التي شنتها إسرائيل على القطاع منذ عام 2008 وحتى عام 2014 وهجماتها العسكرية العدوانية المتواصلة حتى اليوم، بمعاناة إنسانية وإجتماعية وإقتصادية غير مسبوقة للشعب الفلسطيني في غزة، وأدت إلى دمار وخسائر فادحة في الممتلكات والبنية التحتية والأرواح، راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين، مع بقاء عملية الإعمار وإصلاح عشرات آلاف المساكن حتى الآن دون إنجاز. حيث لا تزال "57.481 أسرة لاجئة بحاجة إلى إصلاح مساكنها ومساعدات نقدية في المأوى الانتقالي. ساهم ذلك في إفقار المواطنين الفلسطينين أكثر، وأدى الإرتفاع الحاد في مستوى الفقر في قطاع غزة إلى الإعتماد على المساعدات الإجتماعية بشكل أكبر، إذ "يحتاج 80% من السكان عامة إلى المساعدات الدولية، بينما يعاني596.817 لاجئاً من الفقر المدقع"[4]، يبلغ معدل البطالة بين صفوف اللاجئين 45% [5]و"يفتقر 68% من اللاجئين إلى الأمن الغذائي".[6] ذلك في الوقت الذي يعاني فيه القطاع من نقص حاد في الخدمات الأساسية بما فيها الكهرباء، ومن تلوث 97%[7] من المياه النظيفة، ويفتقر إلى الرعاية الصحية الأدوية.

 

كوفيد 19 في قطاع غزة  

على خلاف مدن العالم، فإن قطاع غزة مغلق بالفعل من دون الإلتزام بتوجيه الحكومة أو منظمة الصحة العالمية، ويقع تحت حصارين. حصار إسرائيلي غير قانوني إستمر أكثر من 13 عاماً، وأنهكه على جميع المستويات الإجتماعية والإنسانية والإقتصادية، وجعله غير قادر على مواجهة أية مخاطر محتملة بل زاد من عواقبها، ليصبح منطقة هشة وضعيفة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة كما توقعت له الأمم المتحدة بأنه لن يكون آهلاً للحياة مع حلول عام 2020. أما الحصار الثاني فهو الحصار الذي فرضه إنتشار كوفيد 19 في العالم، والذي وضع السكان الفلسطينيين بشكل عام واللاجئين بشكل خاص تحت دائرة الخطر الشديد بسبب الضعف الحاد في القطاعات كافة، وأهمها القطاع الصحي الذي يعاني من نقص في التمويل، وشح الموارد والأجهزة ، وضعف تقديم الخدمات، والنقص في الأدوية والمستهلكات الطبية بعد سنوات طويلة من الحصار. إذ تقدر دائرة الصحة التابعة لحكومة الأمر الواقع في قطاع غزة الإحتياج السنوي للقطاع الصحي من الأدوية والمستهلكات الطبية ولوازم المختبرات بـ47 مليون دولار[8]. هذا بالإضافة إلى تلوث مياه الشرب، وإنقطاع الكهرباء لفترات طويلة ما يؤدي إلى عدم تشغيل المشافي وأجهزتها المختلفة، وغيرها من المعيقات الموجودة أصلاً قبل تفشي المرض، والتي حذرت منها منظمة الصحة العالمية عندما أكدت أن نظام الرعاية الصحية في غزة "على شفا الإنهيار". وفي المخيمات التي تعتبر منذ إنشائها تربة خضبة لجذب الأمراض والأوبئة، تصبح فرص إنتشار الوباء فيها أشد خطراً في ظل إكتظاظ السكان والأبنية والشوارع الضيقة، ونقص إمدادات الكهرباء، وأنظمة الصرف الصحي المنهارة، وعدم قدرة سكان المخيم للوصول إلى إمدادات كافية من المياه، هذا بالإضافة إلى الإمكانات المحدودة لدى "الأونروا" التي استهدفت قطاع غزة بنحو 76% من التمويل المطلوب لخطة الاستجابة الإنسانية لعام 2020.[9]

على الرغم من محدودية عدد الحالات في قطاع غزة (20 حالة)[10]، وعدم تفشيه حتى اليوم داخل القطاع، لا يزال إحتواء الفايروس يشكل قلقاً كبيراً، خاصة في ظل عدم معرفة حجم الأشخاص الذين تواصلوا مع المحجورين صحياً، وخروح أشخاص من الحجر الصحي دون خضوعهم للفحص، بالإضافة إلى عدم جود إختبارات كافية والنقص الذي تواجهه المستشفيات في الموظفين المختصين في وحدات العناية المركزة علماً أن "جميع العمليات الجراحية غير الطارئة تم تعليقها، واقتصرت الرعاية الصحة اليوم على 14 مركزاً يقدم الخدمات الأساسية فقط"[11]. أما على الصعيد الإقتصادي، فقد عجّل كوفيد 19 في زيادة إنكماش الإقتصاد المتدهور بالأصل في القطاع بسبب الحصار الإسرائيلي، ومن المقدّر أن تؤثر أزمة الوباء وإستمرار الفجوة التمويلية لدى وكالة الغوث على النشاط الإقتصادي وتقديم الخدمات، وسوف تزيد من  العواقب الإجتماعية والاقتصادية بسبب إنخفاض عائدات التجارة والتحويلات، وإرتفاع نسبة البطالة التي وصلت مع نهاية 2019 إلى 45%[12]، وكذلك نسبة الفقر التي وصلت إلى 47%[13] الأمر الذي سيزيد من الضغط المالي الكبير الذي تعانيه بالفعل الأسر الفقيرة، وسيكون له تداعيات سلبية على الصحة النفسية والإجتماعية المتفاقمة قبل تفشي الفايروس مما يؤشر بشدة لإحتمالات وقوع إضطرابات متجددة. في الوقت الذي تتخذ به دول العالم إجراءات وتدابير الحماية الواجبة من تفشي فايروس كوفيد 19، يبقى الفلسطينيون بما فيهم اللاجئون عرضة للفايروس وللمزيد من الخروقات المنافية لقواعد القانون الدولي التي تؤثر بشكل مباشر على حقوقهم الإنسانية والإجتماعية والبيئية والصحية وفي العمل والتعليم والأمن الغذائي وغيرها. نورد هنا أبرز هذه الانتهاكات قبل وأثناء إنتشار كوفيد 19 في قطاع غزة.

 

أبرز الإنتهاكات الإسرائيلية

  • مواصلة إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، احتلالها العسكري وهجماتها الممنهجة وواسعة النطاق على القطاع، وفرضها حصاراً غير قانوني عليه لمدة تزيد عن 13 عاماً في مخالفة صارخة للقانون والشرائع الدولية.
  • إستهداف المخيمات الفلسطينية حتى في ظل إعلان حالة الطوارئ في فلسطين وانتشار كوفيد 19. ومن أبرز الأمثلة اقتحام آليات وجرافات جيش الإحتلال بغطاء من طائرات الاستطلاع شرق مخيم البريج في المحافظة الوسطى في القطاع، والقيام باعمال الحفر والتجريف في آذار الماضي، وإطلاق النار على المواطنين شرق مخيم المغازي في نيسان الماضي.

 

حالة اللاجئ سامي أبو سالم 50 عاماً، من قرية بيت طيما[14]

يعيش أبو سالم في مخيم جباليا[15]، وهو أب لأربعة أطفال يدرس ثلاثة منهم في مدارس "الأونروا"، يقول: "أعيش في المخيم منذ أن ولدت بعد لجوء والديّ إليه من بيت طيما، كان هذا المخيم عبارة عن خيم في البداية، ثم شُيد بناؤه بالقرميد، ثم الأسبست، حتى أصبح  بالأسمنت. اليوم هو عبارة عن عشوائيات، حيث يفصل بين البيتين 20 سم، وتتوسطه أزقة ضيقة جداً أوسعها في أفضل الأحوال يبلغ عرضها 80 سم إلى متر، ولذلك لا تدخل الشمس أو الهواء إلى معظم بيوت اللاجئين بسبب إلتصاقها وبنائها للطوابق العلوية بشكل عامودي مقابل بعضها البعض". ويضيف: "يستحيل الحفاظ على نظافة المخيم، حيث يكاد لا يوجد مياه لغسل اليدين أو للإستخدامات الأخرى. ومن أجل الحفاظ على النظافة نحن بحاجة إلى وجود دائم للمياه في الخزانات، ونحتاج إلى شراء مضخات كهربائية "موتور" من أجل ضخها، وتشغيل الموتور يحتاج إلى كهرباء، ولا يوجد كهرباء إلا بشكل متقطع. هذا عدا عن أن المياه ليست صالحة للإستهلاك الآدمي، فهي ملوثة، ولذلك يقوم أهل المخيم بشراء مياه نظيفة على حسابهم الشخصي للشرب فقط والبقاء على قيد الحياة. أما بالنسبة للتباعد الإجتماعي فهو مستحيل أيضاً في هذه البقعة السكانية المكدسة بالبشر".

ويتساءل أبو سليم: "حتى لو إلتزمنا بشراء الكمامات والمعقمات والقفازات على حسابنا الشخصي، كيف يمكن تفادي العدوى عندما يمر عشرات اللاجئين في زقاق عرضه 80 سم، أو يتواجدون في دكان صغير أو في المخبز، إنه تكدس هائل لا يمكن علاجه بسهولةـ فهذه الأوضاع السيئة عمرها عشرات السنين، ولا يوجد مساحات للحركة أو أماكن للعب الأطفال(..) هذه الإشكاليات جميعها لا يمكن حلّها فقط بمساعدات إنسانية أو إرشادات صحية هنا أو هناك".  وعن الظروف الإقتصادية الصعبة التي يواجهها اللاجئون في المخيم، وخدمات الأونروا خاصة في هذا الوضع يردف: "نحن بحاجة أيضاً لشراء المعقمات والمطهرات، ولكن بين شراء المعقم وشراء الغذاء، فإننا جميعاً نشتري ربطة الخبز لأبنائنا ونؤمن الغذاء أولاً، ولم أرَ من هو قادر من اللاجئين على شراء المعقمات كما يجب، أما الأونروا فإني أذكر في طفولتي كيف كانت تزودنا بالمعونات من ملبس ومواد غذائية كالطحين والرز والزيت والسمنة ومعلبات السردين والتونا والكوبونات غيرها، ولطالما عبّرتُ عن ذلك بالقول إن هذه المواد التي توزعها الأونروا هي من أجل النجاة والبقاء على قيد الحياة وليس من أجل الحياة نفسها. لا تقدم اليوم الأونروا ما هو مطلوب منها باعتبارها المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين حتى عودتهم إلى ديارهم، فقد قاموا بإغلاق المدارس التزاماً بقرار الحكومة الفلسطينية، ويقومون بإستقبال حالات قليلة في العيادة الصحية، ويقدمون لها علاجاً أولياً، ولا أرى لها دوراً جوهرياً كما يجب لمحاولة إنقاذ الظرف الراهن في حال إنتشر الفايروس بين أوساط اللاجئين، مع ذلك فإني قلق جداً من استهدافها من قبل الولايات المتحدة لأن عدم تمويلها يعني عدم الإهتمام بالقضية الفلسطينية وحلها، فتقليص الخدمات الصحية وغيرها مؤشر لتصفية خدمات الأونروا جميعها".

لدى أبو سليم نشاط مفرط في الغدة الدرقية، وحاول لأكثر من أربع سنوات السفر من أجل العلاج في مشافي القدس والضفة الغربية، ولم تسمح له سلطات الإحتلال بالخروج من القطاع شأنه شأن الآلاف من أبناء شعبنا المرضى بأمراض مزمنة أخرى. يضيف في هذا السياق: "لا يتوفر الدواء الذي أحتاجه في عيادة الأونروا، كما لا أستطيع تحمل تكاليفه في كل مرة، وهكذا يحصل مع اللاجئين المرضى الآخرين. حاولت السفر عبر معبر إيريز إلى الضفة الغربية من أجل العلاج، وكان يرفض الإحتلال منحي تصريحاً في كل مرة أقدم بها".

وطالب أبو سليم أن يعود إلى أرضه وبلده الأصلية، محذراَ أن التعامل مع اللاجئين باعتبارهم أي شيء آخر ما عدا البشر يدفعهم إلى الإحباط، وقال: "أريد العودة إلى أرضي، أريد أن يرفع الحصار الظالم عن قطاع غزة وفقاً للأصول القانونية، أريد السفر إلى الخارج من أجل العلاج، نريد توفير فرص عمل للاجئين، لا نريد مؤن ولا بقج ولا مساعدات، نريد العمل والعيش بكرامة". وأخيراً، طالب أبو سليم الأونروا بعدم تسريح وفصل الموظفين والتوظيف بعقود مؤقتة، وتوسيع وزيادة عملياتها في المخيمات والتركيز على الحالة الطارئة التي تمر بها اليوم مع خطر تفشي كوفيد 19، وختم قائلا: "انتشار كوفيد 19 في المخيمات سيؤدي إلى كارثة جديدة محققة بحق اللاجئين".

 

2. الضفة الغربية والقدس المحتلة: مشروع إستيطاني تهويدي متواصل

مع مواصلة سلطة الإحتلال لإنتهاكاتها الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وأهمها سياسات الضم والتهويد، وعمليات التطهير العرقي، وتكثيف المشروع الإستيطاني الإستعماري، ومصادرة الأرض والتهجير القسري والاعتقال وغيرها، نال اللاجئون نصيباً وافراً من هذه الإنتهاكات التي تخرق القانون الدولي الإنساني وخاصة إتفاقية جنيف الرابعة. 

يعيش في الضفة الغربية والقدس المحتلة "853.818 لاجئاً فلسطينياً مسجلاً لدى "الأونروا"، يقيم حوالي 30% منهم في 19 مخيماً رسمياً بينما يقيم 10% منهم في المناطق المسماة (ج)، ويعيش معظم الآخرين في المدن والقرى. يفتقر أكثر من 60% من اللاجئين في التجمعات البدوية الفلسطينية إلى الأمن الغذائي، ولذلك تقوم وكالة "الأونروا" بتزويد 37.000 شخص منهم بمساعدات طارئة، كما تقدم مساعدات نقدية إلى 3.573 أسرة تعيش في فقر مدقع، وإلى 25.330 لاجئ داخل المخيمات وخارجها. علماً أن أكثر من 65.610 لاجئين في الضفة الغربية يعيشون على 1.79 دولار في اليوم، حيث يعاني 16% من اللاجئين من الفقر المدقع، ويبلغ معدل البطالة بينهم داخل المخيمات 20%"[16].

لدى إعلان حالة الطوارئ في دولة فلسطين بسبب إنتشار كوفيد 19، اتخذت الحكومة الفلسطينية إجراءات مشددة وتدابير إحترازية لإحتواء ومنع تفشي الفايروس من أجل ضمان حماية المواطنين الفلسطينيين وصحتهم على حساب أية إعتبارات أخرى. ورغم أن شعبنا يواجه تحديات مضاعفة في ظل إقتصاد هش في الأصل بسبب إجراءات الإحتلال الإسرائيلي، إلا أن هذا الوباء سيترك تداعيات اقتصادية واجتماعية على شعبنا أكثر شدة من شعوب أخرى. قدرت الحكومة الفلسطينية قيمة "الخسائر الإجمالية للإقتصاد الفلسطيني بـ3.8 مليار دولار، وتضرر مختلف القطاعات، وارتفاع عجز الموازنة إلى 3.2 مليار دولار"[17]. في هذه الأثناء، أصيب "547 شخصاً في الضفة الغربية والقدس المحتلة، من بينهم 3 من مخيم طولكرم و 2 من مخيم قلنديا، و10 من مخيم شعفاط، وحالة واحدة من مخيم الدهيشة، وحالة واحدة من مخيم بلاطة"[18].

وفي القدس على وجه الخصوص، تعاني المدينة وسكانها من إهمال متعمد من قبل حكومة الإحتلال وبلديتها لعدم إتخاذها الإجراءات المطلوبة لمنع تفشي المرض في المدينة، وعدم تعقيم الشوارع، ومنع الفلسطينيين من القيام بذلك وإعتقالهم، وعدم فحص الأشخاص الذين قد تظهر عليهم أعراض المرض أو المخالطين لهم، في محاولة بائسة منها إلى ممارسة الضغط على المواطنين الفلسطينيين وإجبارهم على ترك المدينة. وهذا ينطبق على مخيمات القدس وواقع اللاجئين الفلسطينيين الموزعين في القدس الشرقية الذين يُقدّر عددهم بين 120 الى 140 ألف لاجئ من ضمن 360 ألف مقدسي يقطن داخل حدود البلدية، من ضمنهم 110 آلاف يتلقون الخدمات من مؤسسات وكالة "الأونروا"[19]. يعيش داخل "حدود البلدية" وحدها 59،000 لاجئ فلسطيني تمارس عليهم إسرائيل سيطرة مباشرة -بما في ذلك شعفاط-[20]، ويعتمد عدد كبير منهم على "الأونروا" في توفير الخدمات الأساسية، وخاصة المدارس والعيادات الصحية والأشخاص الذين يتلقون المساعدة لإبقائهم فوق خط الفقر، بالإضافة إلى المستفيدين من خدمات الصرف الصحي.

 

أبرز الانتهاكات في الضفة الغربية والقدس المحتلة

  • نفذت قوات الاحتلال منذ بداية عام 2020 حتى الأول من أيار ما مجموعه [21]173 عملية إقتحام، وقتل وإعتقال وإعتداءات، وإطلاق الغاز المسيل للدموع، وإطلاق ذخيرة حية أدت إلى إستشهاد "لاجئين إثنين وإصابة 66"[22] من اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية. ومنذ إعلان حالة الطوارئ في دولة فلسطين بسبب كوفيد 19، تمثلت أهم اعتداءات الاحتلال بالتالي:
  • "الاقتحام المتكرر والممنهج لمخيم شعفاط في مدينة القدس، وإطلاق الرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، ودهم وتفتيش العديد من المنازل والمحال التجارية، واعتقال المواطنين وجرح آخرين في آذار ونيسان 2020. واقتحام مخيم الجلزون وإعتقال طالب جامعي منه، واقتحام مخيم جنين واعتقال 6 لاجئين، منهم طفل. وإعتقال 3 شبان من مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم، واقتحام مخيم عقبة جبر بمدينة أريحا في نيسان، ومخيم قلنديا. واحتجاز الشرطي محمد مناصرة من سكان مخيم قلنديا على الحاجز العسكري "الكونتينر" في نيسان، وغيرها"[23].
  • اعتدءات وإرهاب المستوطنين المتواصلة ضد اللاجئين الفلسطينين وتُقدر بنحو [24]72 اعتداءً منذ بداية العام 2020.
  • هدم قوات الإحتلال منذ بداية العام 2020 حتى الأول من أيار لـ" 47 منشأة للاجئين الفلسطينيين، وتهجير 70"[25] لاجئاً قسريا. وقد أجبرت قوات الإحتلال اللاجئ طارق محمد علي على هدم منزله بنفسه الكائن في مخيم شعفاط بمدينة القدس، بتاريخ 13 آذار، تفادياً لدفع غرامات باهظة في حال قيام سلطات الإحتلال بعملية الهدم بحجة عدم الترخيص.
  • منع سلطات الإحتلال اللاجئين الفلسطينيين من الوصول إلى الخدمات الصحية، حيث تواجههم منظومة شاملة من الحواجز العسكرية، وجدار الضم والتوسع، والسواتر والجدران الترابية والطرق المسدودة، وغيرها حيث "أن أكثر من 40 تجمعاً للاجئين يجد صعوبة في الوصول إلى الخدمات الصحية بسبب وسائل الإغلاق تلك والتي يقدر عددها جميعا بـ 705وسيلة إغلاق"[26].

 

حالة اللاجئ محمود الشيخ، 55 عاماً، من قرية بيت ثول[27]، يعيش في مخيم شعفاط.

يعيش الشيخ في مخيم شعفاط، ولديه 13 ابناً وابنة، يقول: "في عام 1948 هجّر والداي إلى القدس، حارة الشرفة، وفي عام 1967 انتقلنا أنا واخوتي التسع ووالدي وأمي إلى المخيم لنعيش فيه حتى هذا اليوم. تم تخصيص منزل لكل أسرة مساحته 3 في 3 متر، وكان يوجد 501 منزل في ذلك الوقت، كان لكل 25 منزلاً حمام واحد، وصنبور مياه واحد، أذكر أني كنت أذهب للإستحمام تحته".

منذ أن تولى ترامب السلطة في عام 2017 ونحن نعاني من تصاعد الإنتهاكات الإسرائيلية سواء ضد المدينة المقدسة أو المخيم، حيث أصيب 19 شاباً صغيراً في عيونهم من قبل قوات الاحتلال، وتم هدم نحو 32 منزلاً داخل المخيم، وقبل أسبوعين قاموا بهدم منزل عمر لطفي حيث خيّرته سلطات الإحتلال بين أن يهدم بيته بنفسه أو يدفع 400 ألف شيكل وتهدمه له سلطة الاحتلال، وهكذا حصل مع عائلات حوشيه وعلقم. وتقوم سلطة الإحتلال على صعيد يومي بإقتحام المخيم، وإعتقال الأطفال، وضرب الغاز المسيل للدموع، ورش المياه العادمة في المخيم، وتحاصرنا بجدار الضم والمستوطنات، والحاجز العسكري الذي يحول حياتنا إلى جحيم".

ويتابع: "في ظل غياب كامل لخدمات بلدية الإحتلال، وعدم متابعة الأونروا لخدماتها، تقوم اللجنة الشعبية في المخيم بالتعاون مع اللجنة الصحية بإصدار التوجيهات لسكان المخيم بالحجر والحد من الحركة، وتقوم بتعقيم المناطق والمقرات والشوارع والمؤسسات عن طريق تقسيم المخيم إلى 15 شعبة، واتخاذ إجراءات لتأهيل مراكز حجر لمن خالط المصابين. كل ذلك يجري بالتنسيق والعمل المتواصل مع دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية التي تعمل معنا ساعة بساعة من أجل تخطي هذه الظروف الصعبة وتقوم بدعمنا بالمعقمات والطرود الغذائية وغيرها".

ويؤكد الشيخ أن "التباعد الإجتماعي يستحيل تنفيذه في ظل وجود حوالي 90 ألف نسمة في بقعة أرض تقوم على 203 دونمات فقط، في الوقت الذي لا يزودنا أحد بالمياه". وحمل الشيخ الإحتلال مسؤولية تفشي كوفيد 19 في المخيم قائلاً: "إن مسؤولية سلطة الإحتلال تقضي بالإشراف على سكان المخيم وصحتهم، سيما وأنهم يدفعون لصندوق المرضى الإسرائيلي 350 شيكل شهرياً". وطالب الشيخ المجتمع الدولي  وخاصة الأمم المتحدة والدول العربية بإعادته وإعادة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية، وختم: "لا نحتاج للطرود ولا المساعدات، نريد العودة إلى الديار، انتظرنا طويلاً في منازل المخيم المظلمة، أبناؤنا شهداء وأسرى، والمخيمات تبدو كالعلب المكدسة فوق بعضها البعض، شعب فلسطين شعب ينضح بالكرامة، ولاجئوه في لبنان وسورية والأردن وغزة والقدس لا زالوا ينتظرون العودة".

 

3. مخيمات اللجوء والمنافي

 

اللاجئون الفلسطينيون من سورية: لجوء ثالث

منذ إندلاع الأزمة في سورية في آذار 2011، تعرض الفلسطينيون اللاجئون وخاصة المقيمون في المخيمات إلى حالة من التشرد والتهجير المتواصل وواسع النطاق بسبب تدمير البنى التحتية، ووقوع الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات، وتدهور الوضع الاقتصادي. فمن أصل 643.142 لاجئ فلسطيني كان يقطن في سورية، "تبقى حوالي 438.000، منهم 40% لا يزالون مهجرين داخلياً، نزح ثلث اللاجئين عن مناطقهم الأصلية مرة واحدة على الأقل منذ إندلاع الأزمة، وتعيش 91% من أسر اللاجئين في فقر مدقع، و126.000 لاجئ فلسطيني تم تحديده على أنه من الضعفاء للغاية"[28].

هذا الوضع الطارئ دفع بعشرات الآلاف من اللاجئين إلى ترك سورية والفرار طلباً للإستقرار. ومن حوالي "27.700 منهم توجهوا إلى لبنان طلباً للحماية والأمان، فإن 89% منهم يعيشون اليوم في فقر، و80% يعتمدون على مساعدات نقدية من الأونروا كمصدر دخلهم الرئيسي، بينما لا يمتلك 55% منهم مستندات قانونية صالحة". وأما الـ 17.343 لاجئاً ممن توجّه إلى الأردن فإن 100% منهم بحاجة الى مساعدة، و32% يفنقرون إلى الأمن الغذائي، و86% من هذه الأسر محمّلة بالديون"[29]. في كلا البلدين أدى تدهور أوضاعهم الإجتماعية والإقتصادية وإنعدام فرص العمل وإرتفاع تكاليف المعيشة إلى زيادة ضعفهم وتهميشهم. وبسبب أوضاعهم القانونية غير المحددة في هذه الدول، وعدم وجود آليات حماية بخلاف التي تقدمها الأونروا، فرّ "80.000 [30]لاجئ فلسطيني من سورية إلى أوروبا عبر قوارب الموت في أوضاع خطيرة، بينما فرّ 8000 إلى تركيا و7000 إلى مصر وقطاع غزة.

 

حالة اللاجئة حنان علي، 42 عاماً، من مدينة حيفا، لاجئة للمرة الثالثة

حنان لاجئة من مخيم اليرموك في سورية، ولاجئة للمرة الثانية في مخيم برج البراجنة في لبنان، ولاجئة للمرة الثالثة في فرنسا. تقول: "إثر اندلاع الحرب في سورية والحصار الذي قاساه المخيم من منع إدخال للمواد الغذائية الأساسية وأهمها حليب الأطفال الذي يحتاجه طفلاي، والخبز والطحين وغيرها، وإنقطاع الماء والكهرباء، بالإضافة إلى القصف اليومي الذي أودى بحياة أخي وزوجته، قررنا أنا وزوجي الهرب خوفاً على طفلينا من الوضع المأساوي المتفاقم". عن لجوئها الثاني إلى لبنان تضيف: "في رحلة خطيرة للغاية في بداية عام 2015 هربنا إلى لبنان حيث يعيش أقربائي في مخيم برج البراجنة. في مخيمات لبنان كانت الصدمة الحقيقية، حيث لا تزال بيوت اللاجئين بسقوف معدنية وقريبة جداً على بعضها البعض، ومساحات المخيم ضيقة إلى حد يصعب على فردين أو ثلاثة المشي فيها، تفيض بمياه الصرف الصحي والفيضانات في فصل الشتاء، ويعانون من فقر شديد، خاصة بعد لجوء الفلسطينين والسوريين من سورية بعد الحرب الدائرة هناك".

وتضيف: "أصبحت الأوضاع الإقتصادية داخل المخيم صعبة للغاية خاصة في ظل إستقبال العائلات آلاف اللاجئين من سورية، ما دفعنا إلى الخروج من بيت الأقارب واستئجار مكان أخر، أجبرنا في النهاية على إستئجار غرفة غير مكتملة البناء على أطراف المخيم، وحاول زوجي العمل لكنه لم يجد، فعمل بشكل متفرق في أعمال يومية وأصبح يدرّ دخلاً كل يوم بيومه. وأصبحنا نعتمد على أموال الأونروا التي لا تكفي أجرة المنزل، خاصة أنها لا تلتزم بدفع المبلغ شهرياً، وإعتمدنا على المساعدات بشكل أساسي لدفع الإيجار، لكن بعد مرور 10 أشهر قررنا اللجوء الى دولة أوروبية من جديد". وتضيف: "من شدة القلق على مستقبل أطفالنا وحياتهم قررنا خوض البحر للهرب إلى إحدى الدول الأوروبية، علّنا نجد فيها مستقراً يؤمن لأطفالنا بشكل أساسي الغذاء والدواء والتعليم. كان كل همّنا تأمين حياة كريمة لهما. لا يمكن وصف القلق والتوتر على حياتنا في قوارب الموت التي أقلتنا إلى إحدى الشواطئ الأوروبية ومنها انتقلنا إلى فرنسا، لكن كل ما أود قوله أن كل يوم أقضيه في هذه المدينة أعلم فيه أطفالي في كل صباح ومساء أن مستقرنا الأخير هو وطننا فلسطين، سواء حصل ذلك خلال حياتي أو حياتهم. لا نريد شيئاً سوى العودة".   

 

تصفية قضية اللاجئين وحلّ الأونروا بند رئيس على أجندة الإدارة الأمريكية

قررت إدارة ترامب تسييس عمل وخدمات وكالة الأونروا في مطلع عام 2018، وبدأت بتجفيف الموارد المالية عنها باعتبارها المانح الأكبر، وحرضت دول العالم لقطع التمويل عنها بزعم أن إستمرار عملها "يساهم في استدامة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، تبع ذلك الترويج لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة ودول العالم أو إلحاق من تبقى منهم إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ذلك بعد أن أصدر البيت الأبيض تعريفه للاجئ الفلسطيني، ونزع صفة اللجوء عن أبناء وأحفاد اللاجئين الذين ولدوا خارج فلسطين، وإعادة توجيه التمويل الذي يجب تقديمه إلى الأونروا. قادت إسرائيل وإدارة ترامب حملة مدورسة لإنهاء تفويض "الأونروا" في الأمم المتحدة بمحاولة مستميتة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتفكيك منظمة الأمم المتحدة وشرعيتها، والتعدي على مؤسساتها والانقلاب على النظام الدولي برمته. لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل إبان تصويت الأغلبية الساحقة من دول العالم في تشرين الثاني 2019 لصالح تفويض "الأونروا" لمدة ثلاث سنوات أخرى كما هو معمول به منذ إنشائها بموجب القرار 302 من قبل الجمعية العامة منذ العام 1949.

فسّرت خطة ترامب -التي أعلن عنها في كانون الثاني 2020 - موقفها من قضية اللاجئين بشكل واضح، بل وضللت المجتمع الدولي فيما يتعلق بالحقيقة التاريخية لفعل النكبة الكبرى عام 1948 من قبل العصابات الصهيونية، متبنية الرواية الإيدولوجية الصهيونية. ساوت الخطة بين اللاجئ الفلسطيني الذي هُجّر بطريقة ممنهجة من دياره بالقوة أو بإرتكاب المجازر الترويعية أو التهديد بإستخدام القوة وبين المهاجرين اليهود من البلدان العربية التي سمتهم "باللاجئين اليهود"، والذين قامت الحركة الصهيونية بحملة منظمة من أجل إجلائهم وتوطينهم في إسرائيل شبيهة بالحملة التي نُظمت من أجل استقطاب المهاجرين من سائر أنحاء العالم إلى إسرائيل، والتي اعتبرت إحدى الركائز الرئيسية للصهيونية. وقد سنّت إسرائيل من أجل قوننتها ما سُمّي "بقانون العودة" الذي يعطي لكل يهودي حق اكتساب الجنسية الإسرائيلية فور أن تطأ قدمه البلاد. ودعت الخطة بشكل لا لبس فيه إلى التخلي عن تعريف اللاجئ وصفته فور إصدارها، وذلك بحجة  أن تعريف "الأونروا" للاجئين بما يشمل نسلهم أدى إلى تفاقم الأزمة، ولكن هذا هو الأمر الطبيعي الذي يسري على حالات كل اللاجئين من جميع أنحاء العالم. فعندما تعالج مشكلة اللاجئ يشمل هذا العلاج بصورة طبيعية أفراد عائلته كما نصت عليه الأعراف الدولية. المشكلة في الحالة الفلسطينية، والتي سببها إستمرار الاحتلال الإسرائيلي، أن صفة اللجوء استمرت أكثر من سبعين عاماً الأمر الذي أدى إلى مضاعفة عدد اللاجئين بفعل النمو الطبيعي. كما تخلت الخطة عن حق التعويض كإلتزام دولي وأحالته إلى صندوق إئتماني يتم السعي لجمع الأموال له بصورة طوعية، على أن يتم توزيع التعويضات ضمن سقف المبلغ الإجمالي للأموال التي يتم جمعها. لم تكتف الخطة بصرف النظر عن عودة اللاجئين إلى الأراضي الخاضعة للسيادة الإسرائيلية، بل وضعت قيوداً على عودة اللاجئين إلى أراض الدولة الفلسطينية المزعومة، حيث ربطت ذلك بموافقة إسرائيل وفقاً لإعتباراتها الأمنية. ونصت أن "يتم الاتفاق على معدل حركة اللاجئين من خارج غزة والضفة الغربية إلى دولة فلسطين من قبل الطرفين "الفلسطيني والاسرائيلي" بحيث لا يتجاوز معدل الدخول قدرة استيعاب البنية التحتية واقتصاد دولة فلسطين أو يزيد من المخاطر الأمنية على دولة إسرائيل". ووصفت بشكل متعمد واستفزازي عودة اللاجئ إلى وطنه "بالهجرة إلى دولة فلسطين"، حيث اعتبرت تجاوز سقف معين لعدد السكان الفلسطينيين حتى في دولة فلسطين تهديداً للأمن الإسرائيلي. وهذا السقف تحدده إسرائيل لوحدها دون أي طرف آخر. ونصت أنه "عند توقيع اتفاق السلام فإن كلاً من وضع اللاجئ الفلسطيني ووجود "الأونروا" ووجود المخيمات سيتم إلغاؤها".

وبطريقة تدعو للسخرية، إدعت الخطة بشكل باطل بأن الدول العربية "تحتجز اللاجئين الفلسطينيين قسراً وبقسوة في حالة من الغموض لإبقاء النزاع حيّا"، وأن على "إخوانهم العرب تحمل المسؤولية الأخلاقية لعدم إدماجهم في بلادهم كما تم دمج اليهود في دولة إسرائيل". في الواقع، فإنه في معظم الدول العربية يتمتع اللاجئون الفلسطينيون بالحقوق نفسها التي يتمتع بها مواطنو الدول المعنية، باستثناء حق اكتساب جنسية الدولة، والهدف من هذا الإستثناء هو الحفاظ على صفتهم كلاجئين فلسطينيين، وبالتالي صون حقهم في العودة و/أو التعويض الذي كفله لهم القرار الأممي 194. وبالتالي فإن هذا الإجراء ينسجم تماماً مع الشرعية الدولية، وهو إجراء مؤقت بإنتظار تطبيق حق العودة الذي إلتزمت بتطبيقه إسرائيل ثم نكثت تعهدها. إن المقارنة مع توطين اليهود في إسرائيل في هذا المجال غير ذات صلة.

يعتبر الموقف الفلسطيني القرارات والخطوات الإسرائيلية والأمريکية الأحادية  بشأن قضية اللاجئين الفلسطينيين ووكالة "الأونروا" بلا أية قيمة قانونية أو سياسية، وتفتقد مضامينها التي لا يُجمع العالم والشرعية الدولية عليها، وأن قرارات إسرائيل وإدارة ترامب لا تسمو على هذه المنظومة القانونية والشرعية الدولية. لا يعترف الشعب الفلسطيني وقيادته بكل ما جاء في خطة ترامب-نتنياهو، وفي مقدمتها قضية اللاجئين التي يعتبر شعبنا حلها وفقاً للقرار الأممي 194 المفصل الرئيسي لحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشاملاً إلى جانب إنجاز إستقلال فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس.

 

الأونروا: أزمة مالية وخدماتية متصاعدة في ظل إنتشار كوفيد 19 

إنعكس الإستهداف الممهنج من قبل إسرائيل وإدارة ترامب لإنهاء الأونروا على تقليص أموالها وتعريض قدرتها على الإستمرار بتقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية والحيوية لملايين اللاجئين الذين يعتمدون على المساعدات المالية في ضوء غياب حل عادل لقضيتهم، حيث تحتاج الأونروا اليوم إلى ما يقارب 1.4 مليار لتمويل الخدمات الأساسية لحوالي  6.2 مليون لاجئ، بعد أن كانت تعرضت لأزمات مالية متعددة خلال تاريخ عملها الطويل.  كانت "الأونروا" قد أكدت في ندائها الطارئ في كانون الثاني 2020 "إن من الـ 1.4 مليار دولار المطلوبة، ستخصص الوكالة 806 مليون دولار للخدمات الأساسية المهمة، والتي تشمل التعليم والصحة والبنية التحتية، وتحسين وضع المخيمات وخدمات الإغاثة والخدمات الاجتماعية والحماية، ودعم صندوق التمويل الأصغر. وسيكون بإمكان الأونروا توفير التعليم لأكثر من نصف مليون فتى وفتاة في 700 مدرسة في جميع أنحاء المنطقة وتمكين 8.5 مليون مريض من الوصول إلى المرافق الصحية، كما فعلت في 2019. وستُخصص 155 مليون دولار لتوفير مساعدات إنسانية طارئة في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وغزة. كما سيُخصص مبلغ 270 مليون دولار لدعم نداء الطوارئ بشأن أزمة سوريا الإقليمية -داخل سورية ومن أجل اللاجئين الفلسطينيين من سورية الموجودين في لبنان والأردن"[31].

ومع إنتشار كوفيد 19، أطلقت الأونروا نداءً طارئاً في آذار 2020 لتوفير 14 مليون دولار للإستعداد والإستجابة لتفشي وباء كوفيد 19 لفترة ثلاثة أشهر بين آذار وأيار 2020.  وأوضح النداء الأولويات والمتطلبات المالية لخدمات الصحة العامة، والخدمات الأخرى المرتبطة بالجائحة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وقطاع غزة، ولبنان والأردن وسورية. وسلّط الضوء على أن الظروف المعيشية والإكتظاظ السكاني وهشاشة الأوضاع والقلق الجسدي والنفسي لملايين اللاجئين وسنوات "النزاع" التي طال أمدها ستجعلهم عرضة أكثر لخطر الإصابة بفايروس كوفيد -19. وتطرق إلى أن الأونروا ستغلق مدارسها ومؤسساتها التعليمية بكشل مؤقت، وستبقي على عياداتها الـ144 مفتوحة من أجل تقديم الخدمات الصحية الأولية الضرورية. ودعت المانحين من الحكومات والمؤسسات والأفراد إلى مساعدة الأونروا على مواجهة ما يمكن أن يصبح كارثة ذات أبعاد غير معقولة، في أماكن مثل قطاع غزة وسورية. لكن لم تتلق الأونروا إلا 4 مليون دولار، والتمويل المتوفر يكفي حتى نهاية شهر أيار فقط مما سيمنع وصول المساعدات الإنسانية والصحية إلى اللاجئين الفلسطينيين.  

ولذلك، أطلقت الأونروا نداءً آخراً في 8 أيار 2020 للحصول على 93.4 مليون دولار من أجل استجابتها لجائحة كوفيد-19 في مجالات الرعاية الصحية والتصحاح والنظافة الشخصية والتعليم على مدار الشهور الثلاثة القادمة، حيث إعتبرت الأونروا المبلغ المطلوب بمثابة تجديد لندائها الطارئ السابق لمواجهة الفايروس بين اللاجئين.

وبالتوازي مع محاصرة الأونروا على الصعيد المالي، قامت سلطة الإحتلال، وبالتساوق مع خطة ترامب، بمحاولة محاصرتها على الأرض، قدم رئيس بلدية الإحتلال السابق في القدس وعضو الكنيست نير بركات مشروع قانون في الكنيست في نوفمبر 2019 يقضي بحظر نشاط الأونروا وخاصة في القدس المحتلة مطلع العام 2020. وصادق ما يسمى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مطلع العام الحالي على قرار لإغلاق وطرد المؤسسات التي تديرها الأونروا،  واغلاق جميع مرافقها ومؤسساتها الصحية والتعليمية والخدماتية، وعدم إصدار تراخيص لبداية العام الدراسي 2020، ومن شأن الخطة الإسرائيلية إنشاء مدارس تابعة لوزراة التعليم الإسرائيلية في مخيم شعفاط وقرية عناتا في القدس لتكون بديلاً عن مدارس "الأونروا" وإصدار أوامر بمصادرة كافة العقارات التابعة للأونروا وإلحاقها في بلدية الإحتلال وإلغاء تسمية مخيم شعفاط كمخيم للاجئين ومصادرة الأرض المقام عليها، واعتباره حياً من أحياء القدس في إطار تهويد المدينة بالكامل. في الكنيست من قبل رئيس بلدية الإحتلال السابق نير بركات يقضي بحظر نشاط الأونروا وخاصة في القدس المحتلة مطلع العام 2020.

إن وكالة الغوث، أو كما يسميها اللاجئون الفلسطينيون القطاع العام أو وزارة صحة اللاجئين، هي المصدر الرئيسي لتقديم الخدمات الصحية، وهي شبكة الأمان للاجئين الفلسطينيين منذ أكثر من 70 عاماً، وإن اعتمادهم عليها يزداد أكثر في ظل تفشي الفايروس، والحاجة إلى خدماتها اليوم يصبح أكثر إلحاحية في ظل صعوبة التقيد بتعليماتها وتعليمات منظمة الصحة العالمية الإرشادية في ظروف كظروف المخيمات.

 

الخاتمة: حل قضية اللاجئين وحماية حقوقهم مسؤولية دولية                                                

إن تسهيل الوصول والمساعدات الإنسانية إلى اللاجئين والنازحين داخلياً، والمجتمعات المحاصرة، وجميع الذين دمرتهم الحرب والحرمان، دون تحيز أو تمييز، عملاً بما دعا إليه مبعوثو الأمين العام للأمم المتحدة للشرق الأوسط في 11 نيسان 2020، هو أمر عاجل وملح، خاصة في ظل إنتشار الفايروس في الوقت الحالي، وعدم القدرة على مواجهته بسبب عدم توفر الإمكانات المالية التي تحتاجها "الأونروا"، والذي سيضع المنطقة أمام تحديات هائلة، سينتج عنه تبعات قاسية تتحمل فيها إسرائيل وإدارة ترامب المسؤولية الأولى. وعليه فإننا ندعو:

  • إسرائيل، السلطة القائمة بالإحتلال، إلى إنهاء إحتلالها الإستعماري الذي دام لأكثر من نصف قرن، وتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 194، والسماح بعودة اللاجئين الفلسطينين إلى ديارهم التي هجروا منها قسراً، وتحمل مسؤولياتها والتزاماتها بموجب القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي كقوة محتلة، ورفع الحصار غير القانوني عن قطاع غزة قبل وقوع كارثة صحية وإنسانية في حال تفشي كوفيد 19 على نطاق واسع.

  • الحكومات التي تستضيف لاجئين فلسطينيين لضمان حصول اللاجئين بشكل متساو على الخدمات والرعاية الصحية، وإدراجهم بشكل فعال في خطط الاستجابة الوطنية لفايروس كورونا، بما في ذلك الوقاية والفحص والعلاج، وتوفير الحماية لهم. 
  • دول أوروبا التي تستضيف لاجئين لتطبيق المعايير الدولية لمعاملة طالبي اللجوء والعمل على إخلاء المخيمات ومراكز الاحتجاز ونقلهم إلى سكن مناسب قبل فوات الأوان.
  • الأمم المتحدة للعمل إلى ضمان استمرارية عمل الأونروا باعتبارها عامل استقرار في المنطقة حتى حل قضية اللاجئين.
  • أعضاء المجتمع الدولي للعمل بشكل جماعي، وبذل جميع الجهود الممكنة لتمويل موازنة الوكالة بالكامل، والعمل مع الأشقاء في الدول المضيفة في الأردن وسورية ولبنان، ومع الهيئة الإستشارية للوكالة والدول المانحة في العالم وغيرها، لتوفير الدعم المالي والصحي والسياسي المطلوب.
  • الدول المانحة للوفاء بتعداتها المالية السنوية تجاه الأونروا، وبما يكفل إستمرار عملها بشكل ينسجم مع حالة الطوارئ الحالية تجنباً لأزمات طارئة أخرى تتجاوز كوفيد-19.

إن الأوضاع الطارئة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون منذ سبعين عاماً تحتم على المجتمع الدولي مساءلة إسرائيل ومحاسبتها على خروقاتها بحق اللاجئين، وعدم تنفيذها قرارات الأمم المتحدة والإلتزام بالقانون الدولي منذ قيامها. ويتوجب مضاعفة الجهد الدولي من أجل إنهاء المشكلة الرئيسية الكامنة في الاحتلال الإستعماري، وإيجاد حل سياسي وعادل للقضية الفلسطينية. إن هذا الدعم مطلوب باعتباره مسألة ملحة للتعبير عن التزام المجتمع الدولي بإعمال حقوق الشعب الفلسطيني بما في ذلك اللاجئين، ووفقاً لتجديد التأكيد المتواصل للجمعية العامة للأمم المتحدة على تحمل مسؤوليتها الدائمة عن قضية فلسطين وحّل جميع جوانبها بما في ذلك حل عادل لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194.

 


[1] إحصائيات "الأونروا" نهاية عام 2018 ومطلع عام 2019.

[2] برجاء الإطلاع على نشرة: نكبة فلسطين 71 التي أعدّتها دائرة شؤون المفاوضات العام الماضي بمناسبة الذكرى الواحدة والسبعين للنكبة الكبرى، وهي تروي شهادات 71 لاجئ ولاجئة فلسطينية من قارات العالم حول معنى النكبة بالنسبة لهم وأثرها على حياتهم. https://www.nad.ps/sites/default/files/05152019_1.pdf

[3] تقرير الموصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: الهجمات العشوائية والقتل العمد- إسرائيل تنتقم من غزة بقتل مدنييها. أكتوبر 2014. 

[4] الأونروا: أين نعمل- قطاع غزة.

[5] نشرة إحصاءات التسجيل. الأونروا. الربع الثالث 2019- النداء الطارئ 2020.

[6] مسح الأمن الغذائي 2018.

[7] مكتب المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة أوتشا. قطاع غزة: مؤشرات التحذير المبكرة - أيلول 2019.

[8] بيان للناطق بإسم دائرة الصحة التي تديرها حكومة الأمر الواقع في قطاع غزة أشرف القدرة في 21 نيسان 2020.

[9] النداء الطارئ للأونروا لعام 2020.

[10] بيان للناطق بإسم إدارة الصحة التي تديرها حكومة الأمر الواقع في قطاع غزة أشرف القدرة في 21 نيسان 2020. 

[11] مكتب مساعدات الشؤون الانسانية التابع للأمم المتحدة أوتشا: تقرير الوضع الطارئ لكوفيد 19 في الأرض الفلسطينية المحتلة الرابع.

[12] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني- تموز-أيلول 2019.

[13] البنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة لعام 2019: استراتيجية المساعدة لمجموعة البنك الدولي للسنوات 2018-2021.

[14] بيت طيما: قرية عربية تقع على مسافة 32 كم إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة. بلغ عدد سكانها في عام 1922 نحو 606 نسمات، وإزداد إلى 762 نسمة في عام 1931. وكان هؤلاء يقيمون في 157 بيتاً. وقدّر عدد سكانها في عام 1945 بنحو 1.060 نسمة، وفي عام 1948 تشرد سكانها من ديارهم على يد المحتلين الصهاينة الذين دمروا القرية واستغلوا أراضيها في الزراعة واستخراج النفط من حقل حليقات. (حسب الباحث مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين، ج1، ق2، بيروت 1966).

[15] مخيم جباليا: هو أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة. يقع إلى الشمال من غزة بالقرب من قرية تحمل ذات الإسم. يعيش فيه اليوم حوالي 113,990 لاجئ مسجل يعيشون في المخيم الذي يغطي مساحة من الأرض تبلغ فقط 1.4  كيلومتر مربع. (حسب الأونروا: أين نعمل-قطاع غزة).

[16] النداء الطارئ للأونروا 2020: الضفة الغربية- الإحتياجات الإنسانية والإستجابة 2020.

[17] من بيان صادر عن رئيس الحكومة محمد إشتيه: خسائر الإقتصاد الفلسطيني بسبب فيروس كورونا 27 نيسان 2020

[18] من الموقع الرسمي الحكومي: فايروس كورونا (Covid -19) في فلسطين.

[19]  دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية.

[20]  "الأونروا"

[21] من إحصاءات دائرة الحماية لدى الأونروا حسب 1 أيار 2020.

[22] المصدر السابق

[23] مجموعة الرقابة الفلسطينية- وحدة دعم المفاوضات.

[24] المصدر السابق

[25] المصدر السابق

[26] النداء الطارئ للأونروا 2020.

[27]قرية بيت ثول: تقع على حدود قضاء القدس من جهة الشمال الغربي مجاورة لقضاء الرملة. وتبعد نحو 4 كم شمالي طريق القدس – يافا. كان في هذه القرية عام 1931 182 نسمة يقيمون في 43 بيتاً. تبلغ مساحتها 4. 629 دونماً. قدّر عددهم في عام 1945 بنحو 260 نسمة. وفي عام 1948 احتلت إسرائيل بيت ثول، وطردت سكانها العرب، ودمروا بيوتها. (حسب الموسوعة الفلسطينية- مصطفى الدباغ- بلادنا فلسطين، ج8،ق2، بيروت 1974).

[28] النداء الطارئ للأنروا لسنة 2020: بشان أزمة سورية الإقليمية

[29] نفس المصدر السابق

[30] المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان: فلسطينيو سورية...هجرات تتجدد

Back to top