ورقة مفاهيمية| صفقة القرن: صفقة بين ترامب ونتنياهو لتصفية قضية وحقوق شعب فلسطين

ملخص إعلامي
شباط 11، 2020
ورقة مفاهيمية
صفقة القرن[1]:
صفقة بين ترامب ونتنياهو لتصفية قضية وحقوق شعب فلسطين

 

أ-المقدمة

بعد حوالي ثلاث سنوات من صعود ترامب إلى السلطة، أقدمت إدارته على نشر خطتها الأحادية التي كانت قد روّجت وسرّبت عناصرها الرئيسة فيما يتعلق بالقدس واللاجئين والمستوطنات، بعد أن وضعتها موضع التنفيذ العملي وفقاً لمبدأ فرض السلام بالقوة وفرض الحلول والإملاءات.  وحاولت -كشريكتها سلطة الاحتلال- تغيير الحقائق وتزييف التاريخ واختلاق رواية إيدولوجية تفرضها على العالم بما يتوافق مع مصالح إسرائيل، ويضمن تفوقها الأمني والإستراتيجي عسكرياً واقتصادياً ليس على فلسطين فحسب بل على المنطقة برمتها، متجاهلة بذلك قواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة لصالح إتفاق أحادي يتم تنفيذه بين الوسيط وأحد طرفي الصراع من خلال لجان مشتركة بين ثنائي الصفقة ترامب ونتنياهو.

تقدم هذه الورقة أبرز مكامن التواطؤ السياسي بين ترامب ونتنياهو لتصفية القضية والوجود الوطني للشعب الفلسطيني لصالح إستكمال المشروع الصهيوني الهادف إلى بناء "إسرائيل الكبرى".

 

ب- رؤية ترامب- نتنياهو: التطبيق العملي

 

1. إستمرار الإحتلال الإستعماري بموافقة فلسطينية

أوردت الخطة أنه (لدى توقيع إتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي ستحتفظ دولة إسرائيل بالمسؤولية الأمنية العليا في دولة فلسطين مع التطلع أن يكون الفلسطينيون مسؤولين عن أكبر قدر ممكن عن أمنهم الداخلي وفقاً لشروط هذه الرؤية)، وأنه (...إذا فشلت دولة فلسطين في تلبية جميع أو أي من معايير الأمن في أي وقت فإن دولة إسرائيل سيكون لها الحق في زيادة حضورها الأمني في جميع أو أجزاء من دولة فلسطين كنتيجة لتأكيد دولة إسرائيل على تلبية حاجاتها الأمنية المتسعة).

  • يعني ذلك إستمرار الاحتلال الإسرائيلي تحت عنوان إحتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية المطلقة على جميع الأراضي غربي نهر الأردن وحتى البحر الأبيض المتوسط.
  • وفقاً للتجربة فإن من يسيطر على الأمن يسيطر على كل شيء، فمنح إسرائيل الحق في الحكم على الأداء الأمني للسلطة الوطنية الفلسطينية يعني بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية إلى الأبد. والمطلوب اليوم هو ترسيخ هذا الإحتلال الاستعماري لدولة فلسطين برضا وموافقة فلسطينية.

 

2.  القدس

أوردت الخطة أن القدس هي (العاصمة الموحدة غير المقسمة لدولة إسرائيل). وأنه (سوف تكون العاصمة السيادية لدولة فلسطين في ذلك الجزء من القدس الشرقية الذي يقع شرق وشمال الجدار القائم بما في ذلك كفر عقب، والجزء الشرقي من شعفاط وأبو ديس). ومنحت الخطة ثلاث خيارات للسكان المقدسيين تتمثل في أن (يصبحوا مواطنين في دولة إسرائيل، أو أن يصبحوا مواطنين في دولة فلسطين، أو الإحتفاظ بوضعهم كمقيمين دائمين في إسرائيل).

  • أبو ديس ليست جزءاً من مدينة القدس، وكفر عقب ومخيم شعفاط هما أصلاً خارج الجدار، وقد توقفت بلدية الاحتلال "بلدية القدس" عن التعامل معهما كأحياء في المدينة منذ زمن طويل.
  • شرعّت الخطة رؤية إسرائيل، سلطة الإحتلال، في تقسيم المسجد الأقصى المبارك مكانياً وزمانياً، ودعت إلى تغيير الوضع الراهن بشكل فعلي عندما سمحت في النص (للناس من جميع الأديان بالصلاة في جبل الهيكل/الحرم الشريف بطريقة تحترم ديانتهم، مع الأخذ بعين الإعتبار أوقات الصلوات والأعياد). وهذه الفقرة تتناقض مع التي سبقتها في الخطة، والتي تتحدث عن الحفاظ على الوضع الراهن في الأماكن المقدسة.

 

3. ضم الأغوار، ومناطق المستوطنات والمناطق الحرام في القدس ومنطقة اللطرون

 

4. تطبيق السيادة الإسرائيلية على المستوطنات

 

5. مساحة وجغرافية الدولة الفلسطينية المزعومة

  • صُممت الخريطة المفاهيمية بحيث تستجيب مع المتطلبات الأمنية لدولة اسرائيل حيث تبقى السيطرة الأمنية العليا بيد إسرائيل مع السيطرة الاسرائيلية على المجال الجوي والبحري بالكامل.
  • تضع الخطة تصوراً لدولة فلسطينية ناقصة السيادة، مقسمة لمناطق عدّة، وتكون مناطق معزولة غير متصلة جغرافياً، تربطها شبكة مواصلات من خلال الجسور والأنفاق، ويخضع بناؤها للمتطلبات الأمنية الاسرائيلية، مع مواءمة جدار الضم والتوسع لينسجم مع الحدود الجديدة.
  • حسب الخطة لا تتشارك دولة فلسطين بحدود دولية شرقية مع الأردن، وتبقى السيطرة الأمنية على المعابر كافة من ضمنها المعابر مع جمهورية مصر العربية.
  • تزعم الخطة أن مساحة الدولة الفلسطينية ستكون مساوية تقريباً للمساحة التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، وذلك إذا قام الفلسطينيون بتحقيق مختلف الشروط المتعلقة بالأمن ومناهضة التحريض وحسن السلوك حسب الاملاءات الإسرائيلية. ولكن إذا أخذنا بعين الإعتبار ضم الغور والمستوطنات فإن المساحة ستكون أقل من ذلك بكثير، ولن تتجاوز 50% من الضفة الغربية، مستثنى منها مشروع "القدس الكبرى".
  • أما المساحات التعويضية فهي أولاً صحراء قاحلة جنوب قطاع غزة وجنوب الخليل، أو عملية "ترانسفير" لأراضي وسكان المثلث في دولة إسرائيل، علماً أن الجوهري في عملية نقل السكان هو حرمانهم من أي حقوق، وتجريدهم من الجنسية الإسرائيلية. إن رفض مواطني المثلث لحملة "الترانسفير" هذه هو ليس تنكراً للهوية الفلسطينية وإنما رفض لتجريدهم من أي حقوق سياسية ومدنية في ظل ضمّهم إلى دولة تفتقر لأي معالم السيادة.
  • الربط الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة عبر الممر الآمن هو مقترح ضبابي لتواصل مشروط يقع تحت السيادة الإسرائيلية.

 

6. طبيعة ومفهوم الدولة الفلسطينية

  • تضع الخطة معايير معينة تعتبرها شرطاً لقيام دولة فلسطينية، وتعتبر أن إسرائيل والولايات المتحدة بالشراكة تقرران ما إذا كانت قد استوفيت هذه الشروط، من بين هذه الشروط: دستور يقرّ بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وإدراة مالية شفافة، وإصلاح مناهج التعليم، وتنقيتها من التحريض أو الكراهية أو العداء للجيران أو التشجيع على العنف، وسيطرة السلطة الفلسطينية على جميع أراضيها ونزع السلاح من السكان. والإنصياع لكافة المعايير التي حُددت لقطاع غزة.  
  • عندما يتم إنجاز هذه الإجراءات (ستشجع الولايات المتحدة باقي الدول بالترحيب بدولة فلسطين كعضو كامل في المنظمات الدولية)، ولكن دولة فلسطين لا يمكن أن تنضم إلى أية منظمة دولية إذا كانت العضوية تتناقض مع إلتزاماتها بنزع السلاح، وبالتوقف عن الحرب السياسية والقانونية ضد دولة إسرائيل.
  • عملياً، يعني ذلك تشكيل دولة فلسطينية وفقاً للمعايير الإسرائيلية -الأمريكية مع الحق لهما بمراقبة وتقييم الأداء الفلسطيني، أي دولة مفصّلة وفقاً للمقاييس الإسرائيلية الأمريكية حتى في تكوينها الداخلي ومناهجها الدراسية، وإسرائيل والولايات المتحدة هما اللتان تحكمان على مدى إستيفائها لهذه المعايير. ليس فقط دولة فلسطينية ناقصة السيادة على الأرض وإنما ناقصة السيادة على حياتها الداخلية.
  • الحديث عن أن السيادة هي أمر ملتبس (هيولي( amorphous ، كما ورد في النص، ينطبق على الجانب الفلسطيني فقط، أمّا سيادة إسرائيل فهي مطلقة ليست فقط على أرضها وشؤونها الداخلية وإنما أيضاً على جيرانها بحجة الأمن.

 

7. اللاجئون  

  • تورد الخطة أن (ينص اتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي على انهاء جميع المطالبات المتعلقة بوضع اللاجئ او الهجرة).
  • ن يكون هناك حق عودة أو استيعاب أي لاجئ فلسطيني في دولة إسرائيل)، وأن (ولاية الأونروا وتعريفها متعدد الأجيال لمن يكون لاجئ بالفعل أدى الى تفاقم أزمة اللاجئين).
  • (الأفراد الذين استقروا بالفعل في مكان دائم يكونون مؤهلين لاعادة التوطين ومؤهلين فقط للحصول على تعويض) وفق ما هو موضح في بند الخيارات والتعويضات. وأنه (لدى توقيع الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني، سيتم إنهاء المركز القانوني للاجئين الفلسطينيين..(..) وإنهاء الأونروا..(..).. وسيتم إزالة المخيمات وإقامة مساكن دائمة).

ماذا يعني ذلك؟ نورد أدناه شرحا تفصيلياً حول ماذا تعني بعض نصوص اللاجئين حسب الخطة.

 

ج- فلسفة الصفقة: تزوير التاريخ وتشويه الحاضر والمستقبل

تستند فلسفة الخطة إلى أربع نقاط جوهرية:

  • إن أرض فلسطين التاريخية "أرض إسرائيل" هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وأن تطلعات إسرائيل بهذا الشأن تطلعات مشروعة تماماً، والوجود البشري الفلسطيني على هذه الأرض هو وجود طارئ له تطلعات ولكن لهذه التطلعات سقفاً وحدوداً لا يجب أن تمس أو تنتقص من الحق التاريخي لليهود.
  • إن أي تسليم من جانب إسرائيل بأي حق من حقوق الفلسطينيين المكفولة بقرارات الشرعية الدولية هو تنازل إسرائيلي.
  • أن حرب عام 1967 كانت حرباً دفاعية وأن من حق الدول التي تستولي على أراض في حرب دفاعية أن تستحوذ عليها، خلافاً لمبدأ عدم جواز الإستيلاء على الأرض بالقوة.
  • أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يُحل بالقرارات الدولية وإنما فقط بالتفاوض والاتفاق بين الطرفين. وهنا تكمن الخديعة لأن الصراع نشأ بقرار دولي بقرار 181، وفي كل الصراعات الدولية هدف التفاوض هو تنفيذ القرارات الدولية والقانون الدولي هو الحكم الذي يوجه عمليات التفاوض.

 

د- تفنيد الأساطير وتشويه الوقائع الرئيسة الواردة في الخطة

 

أولاً:  ادّعت الخطة أنه "في حين لم يكن للفلسطينيين أية دولة، فإن لديهم رغبة في حكم أنفسهم وتقرير مصيرهم"  وأن "الرؤية تهدف إلى تحقيق أقصى قدر من تقرير المصير... " وأن دولة فلسطين هي "دولة في المستقبل ليست موجودة حالياً، ولن يتم الإعتراف بها من طرف الولايات المتحدة الأمريكية إلا إذا تم تنفيذ المعايير الواردة في هذه الرؤية".

  • إن حقيقة الوجود الوطني لشعب فلسطين على كامل أرض فلسطين التاريخية يعود إلى آلاف السنين، وقد تم الإعتراف بفلسطين من قبل عصبة الأمم ككيان دولي قائم في ذاته، له حكومة خاصة به، تديرها بريطانيا مؤقتاً إلى أن يتمكن شعب البلاد -وفقاً لـ"وثيقة صك الانتداب" لعام 1922 - من إدارة شؤونه بنفسه. وعلى الرغم من عنصرية الوثيقة إلا أن البند السابع فيها نصّ على أن "تتولى إدارة فلسطين مسؤولية سَنّ قانون للجنسية، ويجب أن يشتمل ذلك القانون على نصوص تُسّهل إكتساب الجنسية الفلسطينية لليهود الذين يتخذون فلسطين مقاماً دائماً لهم."
  • إن إسرائيل هي التي لم تكن دولة إلا بعد أن أعلنت قيامها عام 1948، ولم يتم الإعتراف بها إلا بشرطين من قبل المجتمع الدولي، لم تستوفهما حتى اللحظة.
  • إن الإعتراف الأمريكي بمشروعية الإدعاء الإسرائيلي بأن الضفة الغربية هي جزء من الوطن التاريخي للشعب اليهودي يتناقض تماماً مع كل المعايير الدولية والحقائق التاريخية، وهو مستمد من رؤية توراتية دينية لا علاقة لها بمعايير العصر الحديث.
  • إن قرار التقسيم للأمم المتحدة اعتبر منذ البداية هذه المناطق (الضفة الغربية) جزءاً من دولة فلسطين العربية. وبالتالي لا يعترف بأي مشروعية لأية ادّعاءات إسرائيلية فيها.
  • إن دولة فلسطين قائمة بالفعل، حيث اعترفت الأمم المتحدة بأغلبية ساحقة بفلسطين كدولة غير عضو في قرار 19/67، وهي تحوز على إعتراف 139 دولة من دول العالم.
  • إن حق تقرير المصير ليس طموحاً أو آمالاً، لأن طموحات وآمال الشعب الفلسطيني تفوق الحدود، بل هو حق غير قابل للتصرف، معترف به من قبل الأمم المتحدة بقرارات يجرى التصويت إلى جانبها من قبل 175 دولة من مجموع 193 دولة كل عام، وهو حق مطلق لكل الشعوب وفقاً لشرعة حقوق الانسان، وهو المبدأ المُنشئ لحقوق الإنسان الأخرى جميعاً.
  • في حالة النزاعات القومية على الأرض، فإن الحدود الإقليمية لحق كل شعب في تقرير مصيره تتحدد إما بالتوافق فيما بينها أو بالإرادة الدولية المعبّر عنها بقرارات الأمم المتحدة أو القانون الدولي، كما هو الحال في يوغسلافيا السابقة وفي العديد من مناطق أفريقيا، وفي بلدان الإتحاد السوفيتي السابق..إلخ.

 

ثانياً: نصت الخطة على شرعية (الحقائق الحالية) وطالبت بالاعتراف بالواقع البديل أي الحقائق الحالية التي فرضها واقع الاحتلال العسكري دون ذكر الأسباب الحقيقية التي جعلت منه إسرائيل واقعاً مكرساً على الأرض.

  • إن الحديث عن الاعتراف بالواقع كأساس للحل ينطوي على تناقض لأن الوقائع الذي يُراد الاعتراف بها وتكريسها هي التي تخدم مصلحة إسرائيل أما الوقائع التي لا تخدمها فالخطة تدعو إلى تغييرها بما في ذلك على سبيل المثال إبقاء الجدار في القدس (أن يكون حدوداً بين عواصم الطرفين) وإزاحته في المناطق الأخرى، والأمر الواقع الخاص بحقوق الصلاة في المسجد الأقصى الذي تدعو الخطة إلى تغييره  ليشمل الديانات والصلوات في أوقات وأماكن معينة، وتغيير الوضع التاريخي القائم، وتقسيم المسجد الأقصى المبارك زمانياً ومكانياً.

ادّعت الخطة أن إسرائيل (انسحبت من أراضٍ تمت السيطرة عليها في حروب دفاعية أمر نادر في التاريخ. يجب الإقرار أن إسرائيل انسحبت من 88% من الأرض التي احتلتها وسيطرت عليها عام 1967).

  • إن ذلك تزوير متعمّد من قبل إسرائيل وإدارة ترامب لأن الأراضي التي انسحبت منها إسرائيل هي أراضي سيناء المصرية، وذلك وفقاً لمعاهدة السلام الإسرائيلية المصرية لعام 1979.
  • إن الأمر النادر في التاريخ أن تقوم الولايات المتحدة من خلال هذه الخطة بالاعتراف بضم أراض تم الإستيلاء عليها بالقوة.
  • تم إحتلال العديد من الدول من قبل دول أخرى دون أن يتم ضمها أو ضم أجزاء من أرضها.
  • إن مفهوم الحرب الدفاعية مفهوم ملتمس وليس هناك ما يشير إلى أن الحرب التي شنتها إسرائيل في عام 1967 ضد سورية ومصر والأردن كانت بالفعل حرباً دفاعية إستباقية درءاً لهجوم عربي وشيك. 

ادّعت الخطة أن "الصراع أصبح قديماً، وأصبحت الحجج واهية، وفشلت الأطراف في تحقيق السلام(...) يجب على الطرفين تقديم تنازلات كبيرة ومحددة لتحقيق مكاسب أكبر"

  • تجاهل هذا البند الكشف عن الطرف المسؤول عن الفشل في تحقيق السلام، وتاريخ الرفض الإسرائيلي لخطط السلام وإفشالها بما فيها تحفظات حكومة آريل شارون الـ14 على خطة خارطة الطريق، والتي تفرّغ النص الأصلي للخارطة من كل مضمون إيجابي، وتُبقي على ما هو ملزم للجانب الفلسطيني من إلتزامات أمنية وأخرى إصلاحية، ثم خطة شارون "الإنفصال من جانب واحد"، ثم لاءات نتنياهو الـ 7 عام 2009، والتي بموجب إعداد مدروس، تتكرر نفسها في هذا الخطة بعد أكثر من عشر سنوات، وهي: لا لوقف الإستيطان، ولا لقدس عربية، ولا لعودة اللاجئين، ولا مرجعيات دولية أو عربية أو حتى أمريكية، لا لدولة فلسطينية لا تعترف بيهودية دولة إسرائيل، لا لدولة فلسطينية ذات سيادة، ولا لعقد اتفاقيات خارجية من أجل ضمان "أمن إسرائيل"، انتهاءً بوعود نتنياهو وفريق حكومته الإستيطاني بأنه لا دولة فلسطينية في عهده، وغيرها الكثير. 
  • ذلك عدا عن الشروط التعجيزية المُسبقة التي كانت تضعها إسرائيل قبل البدء بالمحادثات مثل مساواة الإستيطان الإستعماري بما يُسمى أعمال العنف والتحريض، والإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وجعل الجانب الفلسطيني يتبني الرواية الصهيونية وغيرها. في الواقع، يتحمل الجانب الاسرائيلي وحده مسؤولية فشل العملية السياسية كونه غير ناضج ليكون شريكاً حقيقياً للسلام، وليس جاهزاً لإنجاز مصالحة تاريخية.
  • كما تجاهل البند الكشف عن التنازلات المؤلمة والتاريخية التي قدمها الجانب الفلسطيني بما في ذلك مجازفته الكبرى بقبول فكرة الحل الوسط المستند إلى حل الدولتين، وإعترافه بحق إسرائيل بالوجود وتنازله عن 78% من أرضه التاريخية من أجل أن يعيش في دولته بسلام دون أن يتلقى عرضاً واحداً لا من الجانب الإسرائيلي ولا من الجانب الأمريكي يستجيب لهذا الحد الأدنى الذي قبل به رغم ما يلحقه به من ظلم تاريخي، مروراً بتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني وإلغاء معظم بنوده، وغيرها، إضافة إلى المرونة التي رافقت جميع جولات التفاوض منذ مدريد وأوسلو وكامب ديفيد وأنابوليس حتى جولة محادثات جون كيري التي إنتهت عام 2014 بنسف إسرائيل لها مثلها مثل غيرها من الجولات بسبب ممارساتها وسياساتها العنصرية على الأرض وفرض سياسة الأمر الواقع خلال هذه المفاوضات، وتنكرها لتعهداتها. فمثلاً، منذ إستئناف الجولة الأخيرة لجون كيري حتى نهايتها 2013-2014 قامت إسرائيل "بزيادة النشاط الاستيطاني بنسبة 123%، وقتلت 56 فلسطينياً وجرحت 897 آخرين، ونفذ مستوطنوها 550 اعتداءاً ضد الفلسطينيين الأبرياء وممتلكاتهم" كما رفضت الإفراج عن الدفعة الأخيرة من الأسرى، وغيرها من الإنتهاكات التي لا تُحصى.

أكدت الخطة أن "هناك أولئك الذين يستفيدون من الوضع الراهن، وبالتالي يسعون لمنع التغيير الذي سيفيد الطرفين"

  • هذا الضبط ما يعنيه إستغلال إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، للوضع الراهن لأكثر من 25 عاماً، وتغذيته بوقائع غير شرعية جديدة على الأرض جعلت في نهاية المطاف من التسوية النهائية أمراً واقعاً أيضاً يقبل بالمستوطنات وضمها، وبجدار الضم والتوسع كحدود نهائية، وبضم وتهويد القدس وإعتبارها عاصمة موحدة، وضمّ الأغوار وإستكمال سيطرتها على المناطق المسماة "ج" وفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة وحصاره. ذلك تماماً ما يعنيه إستغلال إسرائيل لعملية المفاوضات وإفراغها من مضمونها واستخدامها كستار أمام المجتمع الدولي للتستر على إنتهاكاتها على الأرض.
  • لم يستفد طرف من الوضع الراهن كما استفادت منه سلطة الاحتلال، وبالفعل سعت لمنع التغيير الإيجابي الذي يعود على الشعبين بالنفع عندما قوّضت حل الدولتين القائم على حدود 1967 بشكل عظيم.

 

ثالثاً: تنص الخطة فيما يتعلق بالأمم المتحدة على أن "...(....) هذه الرؤية ليست تلاوة للجمعية العامة ومجلس الأمن وقرارات دولية أخرى بشأن هذا الموضوع لأن هذه القرارات لم تحل ولن تحل النزاع"

  • إذا كان صحيحاً أن قرارات الأمم المتحدة لا تحل الصراع، فإن هذا يُلقي جانباً كبيراً من الشك على مشروعية القرار 181، والذي قُدم باعتباره حلاً للصراع اليهودي العربي، وهو الذي اُعتمد كأساس لكل الوقائع التي فرضت منذ ذلك الحين. وبالتالي، إذا كانت قرارات الأمم المتحدة ليست هي الحل المشروع فهذا ينبغي أن يبدأ من القرار الأول في هذا الشأن. 
  • فضلاً عن أن الإعتراف بدولة إسرائيل كان مبنياً على إحترام إسرائيل لميثاق الأمم المتحدة ومشروطاً بتطبيق القرارين الأمميين 181 و194 في أسرع وقت، ولكنها لم تستوفهما كما ذكرنا أعلاه.
  • إن جميع الخطط والمبادرات التي قُدمت حتى الآن لحل الصراع اعتمدت بدرجة أو بأخرى على المبادئ التي بلورتها قرارات الأمم المتحدة، وهذا ليس سر فشلها، بل السبب في ذلك هو أولاً رفض إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة وثانياً محاولة الراعي الأمريكي الإنتقاص من ما تضمنه قرارات الأمم المتحدة من حقوق للشعب الفلسطيني لصالح إسرائيل وثالثاً عجز المجتمع الدولي عن إتخاذ إجراءات لفرض قراراته ومحاسبة الطرف الذي ينتهكها.
  • ستكون هذه الخطة -في حال تعامل المجتمع الدولي معها- بداية نهاية النظام الدولي وتفكيك منظماته الدولية القائمة على أسس وسيادة القانون الدولي وقرارت الأمم المتحدة لصالح قانون القوة والأحادية.

تنصّ الخطة بشكل مهين ووقح أن (الإنتقال إلى الدولة معقدة ومحفوفة بالمخاطر، لا يمكن للمنطقة إستيعاب دولة أخرى فاشلة أو دولة أخرى غير ملتزمة بحقوق الإنسان أو بسيادة القانون...)

  • بإنتقاء مليء بالتناقض هدفه التحايل على أعضاء المجتمع الدولي تطلب الخطة من فلسطين كأحد شروط قيامها الالتزام بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وسيادة القانون! فعندما يتعلق الأمر بدولة فلسطين والتزاماتها داخلياً أو مع محيطها العربي والإقليمي فإن مبادئ حقوق الانسان والقانون الدولي واجبة الإتباع، أما عندما يتعلق الأمر بإسرائيل فيمكن إستيعاب دولة خارجة عن القانون وضاربة بقرارات الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الإنسان بعرض الحائط تحت ذريعة أمنها المزعوم. 
  • لكن الخطة تدعو بعبثية وإستخفاف بأعضاء المجتمع الدولي في بند نهاية المطالبات إلى المصادقة على إتفاق السلام النهائي بقرار من مجلس الأمن والجمعية العامة. (سيتم اقتراح ما تقدم في 1- كقرار جديد لمجلس الأمن، و2- كقرار جديد للجمعية العامة للأمم المتحدة). على إدارة ترامب التوضيح على أي أساس تريد تمرير هذه الصفقة.

 

رابعاً: تنص الخطة فيما يتعلق بالأمن أن (تكون حقوق اللاجئين الفلسطينيين في الهجرة إلى دولة فلسطين محدودة وفقاً للترتيبات الأمنية) وأن (لا يتجاوز معدل الدخول قدرة استيعاب البنية التحتية واقتصاد دولة فلسطين، أو تزيد من المخاطر الأمنية على دولة إسرائيل) من ضمن نصوص كثيرة أخرى.

  • تتبنى الخطة بشكل كامل مفهوم الأمن الإسرائيلي، والذي هو مفهوم عريض وواسع جداً، لا يشمل التهديدات التي تواجهها إسرائيل مما يسمى بالإرهاب الداخلي أو "المقاومة التي يبديها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال" فحسب، وليس الأخطار العسكرية التي تواجهها إسرائيل من خارج الأراضي المحتلة فحسب، ولكن أيضاً كل تهديد تعتبره إسرائيل خطراً على وجودها "كدولة يهودية" بما في ذلك ما يسمى بالتهديد الديموغرافي.
  • وأبرز مثال على ذلك، ما تتضمنه الخطة بشأن ما تسميه "هجرة الفلسطينيين إلى دولة فلسطين". حيث تعتبر تجاوز سقف معين لعدد السكان الفلسطينيين حتى في دولة فلسطين هو تهديد للأمن الإسرائيلي. وهذا السقف تحدده إسرائيل لوحدها دون أي طرف آخر.
  • بفعل هذا المفهوم المعوّم للأمن يجري كذلك تبرير حاجة إسرائيل المزعومة كي تحمي أمنها إلى السيطرة الكاملة على المنطقة غرب نهر الأردن، وعلى المجال الجوي والكهرومغناطيسي والمعابر والحدود والمياه الإقليمية للدولة الفلسطينية المزعومة. (عند التوقيع على إتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي ستحافظ دولة إسرائيل على المسؤولية الأمنية العليا لدولة فلسطين).
  • دون تحديد ملموس للخطر القادم من الشرق، تستجيب الخطة لإسرائيل بإبقاء محطات إنذار مبكر على جبال الضفة الغربية من المشكوك بأن قدرتها على الإنذار تتجاوز الحدود الشرقية للمملكة الأردنية الهاشمية التي تعقد معاهدة سلام مع إسرائيل وبالتالي لا تشكل أي خطر عسكري عليها. (تحتفظ دولة إسرائيل بمحطة واحدة على الأقل للإنذار المبكر في دولة فلسطين ..(..) والتي ستديرها قوات الأمن الإسرائيلية).

 

خامسا: تورد الخطة فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين بأن:

"الصراع العربي الإسرائيلي تسبب بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين واليهود على حد سواء"

  • تمارس الخطة تحايلاً على المجتمع الدولي والتفافاً اسرائيلياً- أمريكياً على فعل التشريد القسري الذي مارسته العصابات الصهيوينة على شعب فلسطين المستقر في أرضه منذ آلاف السنين، وذلك بمساواتها بين حالة اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا بطريقة منهجية من ديارهم بالقوة أو بإرتكاب المجازر الترويعية أو التهديد بإستخدام القوة وبين حالة اليهود من البلدان العربية التي قامت الحركة الصهيونية بحملة منظمة من أجل إجلائهم وتوطينهم في إسرائيل شبيهة بالحملة التي نُظمت من أجل استقطاب المهاجرين من سائر أنحاء العالم إلى إسرائيل، والتي اعتبرت إحدى الركائز الرئيسية للصهيونية. وقد سنّت إسرائيل من أجل قوننتها ما سُمّي "بقانون العودة" الذي يعطي لكل يهودي حق اكتساب الجنسية الإسرائيلية فور أن تطأ قدمه البلاد.
  • إن المجتمع الدولي، ممثلاً بالجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، لم يعلن عن حالات لاجئين يهود، على العكس من ذلك، أصدر على ضوء نكبة الشعب الفلسطيني سنة 1948 قراراً هاماً جداً للاجئين الفلسطينيين، هو قرار 194، والذي تنص الفقرة (11) منه صراحة على ضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وقراهم الأصلية التي هجّروا منها، باعتبارهم شعباً وليس مجموعة أفراد متضررين من الحروب مثل حالات كثيرة.  ]وهذا يردُّ أيضاً على التسمية الصفيقة التي أطلقتها خطة ترامب لدى وصفها للشعب الفلسطيني بالفلسطينيين[. ولم يكتف قرار الأمم المتحدة المذكور بتأكيد حق العودة، بل تعدّى ذلك إلى ايجاد آلية عمل متكاملة لتطبيق هذا الحق وعودة هؤلاء اللاجئين.
  • رفضت الدول العربية في معظمها تهجير يهودها، وبعضها اضطر الى الموافقة عليه بفعل الضغوط والعمليات الإرهابية التي نظمتها الحركة الصهيونية، وهي حملة إرهابية موثقة بشهادات العديد من الشهود اليهود الذين هُجّروا خلافاً لإرادتهم، أو بضغط من دول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
  • لم تتخذ الدول العربية أية إجراءات ضد المهاجرين اليهود سوى ما تسمح به قوانينها ضمن الحدود الطبيعية للإجراءات، مثل إسقاط الجنسية عن المهاجرين -وهذا أمر طبيعي- أو تجميد ممتلكاتهم لحين الوصول إلى حل، وهذا أيضاً إجراء تلجأ إليه الكثير من الدول في حالات شبيهة.
  • بالمقابل، إتخذت إسرائيل إجراءات ساحقة لمصادرة جميع أملاك اللاجئين الفلسطينيين المُهجرين ووضعها تحت تصرف الدولة كأملاك غائبين. وقد تم بالواقع التصرف بها دونما إعتبار لمصالح مالكيها، وكأن مالكيها لم يعودوا موجودين. وحتى عندما إحتلت إسرائيل الضفة الغربية وأصبح بعض مواطني الضفة الغربية يعتبرون مقيمين دائمين في القدس الشرقية على سبيل المثال أو اكتسبوا الجنسية الإسرائيلية وانتفت عنهم بالتالي صفة المُلاّك الغائبين فإن إسرائيل لم تعترف بحقهم في أملاكهم التي صودرت في عام 1948.
  • لقد أبدت دول عربية استعدادها وترحيبها بعودة يهودها إليها مثل العراق والمغرب، ووعدت بإعادة ممتلكاتهم لدى عودتهم.

(كان الفلسطينيون بشكل جماعي محتجزين بقسوة في حالة من الغموض لإبقاء النزاع حيّا، ويتحمل إخوانهم العرب المسؤولية الأخلاقية لعدم إدماجهم في بلادهم كما تم دمج اليهود في دولة إسرائيل)

  • الإدعاء بأن الدول العربية تحتجز اللاجئين الفلسطينيين قسراً هو إدعاء باطل. في معظم الدول العربية، يتمتع اللاجئون الفلسطينيون بالحقوق نفسها التي يتمتع بها مواطنو الدول المعنية، باستثناء حق اكتساب جنسية الدولة، والهدف من هذا الإستثناء هو الحفاظ على صفتهم كلاجئين فلسطينيين، وبالتالي صون حقهم في العودة و/أو التعويض الذي كفله لهم القرار الأممي 194. وبالتالي فإن هذا الإجراء ينسجم تماماً مع الشرعية الدولية، وهو إجراء مؤقت بإنتظار تطبيق حق العودة الذي إلتزمت بتطبيقه إسرائيل ثم نكثت تعهدها. إن المقارنة مع توطين اليهود في إسرائيل في هذا المجال غير ذات صلة. 
  • تدعو الرؤية إلى التخلي عن تعريف اللاجئ وصفته فور إصدارها، وذلك بحجة  أن تعريف "الأونروا" للاجئين بما يشمل نسلهم أدى إلى تفاقم الأزمة، ولكن هذا هو الأمر الطبيعي الذي يسري على حالات كل اللاجئين من جميع أنحاء العالم. فعندما تعالج مشكلة اللاجئ يشمل هذا العلاج بصورة طبيعية أفراد عائلته كما نصت عليه الأعراف الدولية. المشكلة في الحالة الفلسطينية، والتي سببها إستمرار الاحتلال الإسرائيلي، أن صفة اللجوء استمرت أكثر من سبعين عاماً الأمر الذي أدى إلى مضاعفة عدد اللاجئين بفعل النمو الطبيعي.
  • تتخلى الخطة عن حق التعويض كإلتزام دولي وتُحيله إلى صندوق إئتماني يتم السعي لجمع الأموال له بصورة طوعية. ويتم توزيع التعويضات ضمن سقف المبلغ الإجمالي للأموال التي يتم جمعها.
  • لا تكتفي الخطة بصرف النظر عن عودة اللاجئين إلى الأراضي الخاضعة للسيادة الإسرائيلية، بل تضع قيوداً على عودة اللاجئين إلى أراض الدولة الفلسطينية المزعومة، وتربط ذلك بموافقة إسرائيل وفقاً لإعتباراتها الأمنية. ( يتم الاتفاق على معدل حركة اللاجئين من خارج غزة والضفة الغربية إلى دولة فلسطين من قبل الطرفين "الفلسطيني والاسرائيلي" بحيث لا يتجاوز معدل الدخول قدرة استيعاب البنية التحتية  واقتصاد دولة فلسطين أو يزيد من المخاطر الأمنية على دولة إسرائيل). ووصفت بشكل متعمد واستفزازي عودة اللاجئ إلى وطنه بالهجرة للأسباب المذكورة في (البند السابق رابعاً/ الأمن ).
  • نصت الخطة أنه عند توقيع اتفاق السلام فإن كلاً من وضع اللاجئ الفلسطيني ووجود "الأونروا" ووجود المخيمات سيتم إلغاؤها.

 

سادساً: تنص الخطة فيما يتعلق بالأسرى على (إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين الإداريين الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية باستثناء 1- المدانون بالقتل والشروع بالقتل، والمدانون بتهمة التآمر لإرتكاب القتل، و3- المواطنون الإسرائيليون).

  • إن المبدأ الأساسي في كل النزاعات هو تحرير الأسرى لدى إنتهاء النزاع وتوقيع الاتفاق، وهنا تطبق الخطة هذا المبدأ على الأسرى الإسرائيليين بأيدي المقاومة الفلسطينية. أمّا بشأن الأسرى الفلسطينيين فهي تستثني منهم ثلاث فئات "المدانين بالقتل والشروع بالقتل، والمدانين بتهمة التآمر بالقتل، وحملة الجنسية الإسرائيلية".
  • من المهم الإشارة إلى أن الإدانات المذكورة تمت بفعل محاكمات عسكرية إسرائيلية لا تتوفر فيها الحدود الدنيا من المعايير المتعارف عليها دولياً للمحاكمة العادلة. فضلاً عن كونها خالفت القانون الدولي بإجرائها في دولة إسرائيل وليس في المناطق المحتلة.
  • الإدانات لا تميّز في طبيعة ضحاياها بين العسكريين المنخرطين في جيش الإحتلال وبين المدنيين، وهو تمييز مهم من وجهة نظر القانون الدولي.
  • أما باقي الأسرى، فلن يتم الإفراج عنهم حتى إعادة الجنود الإسرائيليين أو رفاتهم إلى دولة إسرائيل، وستتم عملية الإفراج ليس فور توقيع إتفاق السلام كما هو معمول به عادة بل على أكثر من مرحلة.
  • تتحكم إسرائيل بعملية الإفراج عن الأسرى بما في ذلك التوقيت. بالاضافة إلى ذلك، ترتكب الخطة مخالفة جوهرية لمبادئ حقوق الإنسان عندما تشترط على كل سجين يفرج عنه التوقيع على تعهد بصيغة إيدولوجية غامضة تتحدث عن تعزيز فرص التعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن يتصرفوا بطريقة تعطي نموذجاً للتعايش، وتنص على أن السجناء الذين يرفضون التوقيع سيبقون في السجن. (سيطلب من كل سجين يفرج عنه أن يوقع على تعهد بتعزيز فرص التعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين داخل مجتمعهم..(..) سيظل السجناء الذين يرفضون التوقيع على هذا التعهد مسجونين).

 

سابعاً: تنص الخطة فيما يتعلق بالمياه على منح إسرائيل السيادة على غور الأردن والبحر الميت، والذي يحرم الفلسطينيين من حق المشاطئة وما ينص عليه القانون الدولي من التحصيص العادل والعاقل للمياه في المجاري الدولية العابرة للحدود.

  • ان ذلك يُجحف بالحق الفلسطيني بالحصة في النهر والتي تُقدر بأكثر من 250 مليون متر مكعب من المياه، عدا عن فقدان المشاطئة في البحر الميت، والذي يجُحف بالحقوق الفلسطينية في ثرواتهم الطبيعية وينافي القرارات الأممية التي تؤكد سيادة الشعب الفلسطيني على مصادره وثرواته الطبيعية.
  • كما تجحف الخطة بمنحها السيادة لاسرائيل فوق المنطقة الحرام في اللطرون بحقوق الفلسطينيين بالمياه وهي المنطقة الأغنى بالمياه في الحوض الغربي.

 

ثامناً: تدعو الخطة فيما يتعلق بالتطبيع مع الدول العربية الدول التي لم تحقق بعد السلام مع دولة إسرائيل (إلى البدء في تطبيع العلاقات مع إسرائيل والتفاوض معها على اتفاقات سلام دائمة)

  • وهي بذلك تسعى إلى إيجاد غطاء إقليمي وعربي لتنفيذ الخطة من جانب واحد، من قبل إسرائيل، وبإعتراف الولايات المتحدة، وبصرف النظر عن رأي الجانب الفلسطيني. أي فرض الخطة على الجانب الفلسطيني بالأمر الواقع.
  • إن ذلك يتناقض مع مبادرة السلام العربية التي تربط التطبيع بإنجاز إسرائيل الانسحاب من المناطق المحتلة عام 1967 وإستقلال دولة فلسطين وحل قضية اللاجئين حلاً عادلاً ومتفقاً عليه وفقاً لقرار الأمم المتحدة 194.
  • تشترط الخطة على الدول العربية بشكل استفزازي "بالتوقف عن المبادرات التنقيحية التي تشكك في جذور الشعب اليهودي الأصيلة في دولة إسرائيل" أي أنه على العرب ليس فقط إقامة سلام مع إسرائيل بل أيضاً تبني الإيدولوجية الصهيونية والرواية الزائفة التي تستند إليها.
  • تدعو الخطة أيضاً الدول العربية بما في ذلك مجلس دول التعاون الخليجي إلى "تشكيل منظمة الأمن والتعاون في الشرق الأوسط" والتي تضم إسرائيل. أي أن فرض الإستسلام لن يكون على الفلسطينيين فحسب بل على العرب أيضاً، وذلك لضمان هيمنة إسرائيل على المنطقة العربية.

 

تاسعاً: تدّعي الخطة في بند الأماكن المقدسة في القدس أنه (على عكس العديد من القوى السابقة التي حكمت القدس، ودمّرت الأماكن المقدسة للأديان الأخرى، فإن دولة إسرائيل جديرة بالثناء لقيامها بحماية المواقع الدينية للجميع والحفاظ على الوضع القائم)

  • إن الوقائع على الأرض تشهد عكس ذلك تماماً، حيث أن إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، لم تكن "حامياً" جيداً للأماكن المقدسة وانتهكت جميع الشرائع والقوانين الدولية التي كفلت حرية العبادة والوصول لأماكن العبادة. ناهيك عن الإتهام المبطن للمملكة الأردنية الهاشمية بعدم صلاحيتها في حماية الأماكن المقدسة في القدس.
  •  تتجلى هذه الإنتهاكات في العديد من البراهين الموثقة جيداً في سجل مؤسسات حقوق الإنسان الدولية والإٍسرائيلية والفلسطينية. وأولها  تقسيم الحرم الإبراهيمي بالقوة، مروراً  بمواصلة إسرائيل عدوانها ضد الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية. وفقاً لتقرير وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية فقد نفذت إسرائيل أكثر من 340 مخالفة واعتداء على المسجد الأقصى في العام 2019 وحده، وأصدرت ما لا يقل عن 170 أمر إبعاد ضد شخصيات دينية فلسطينية بارزة، والعديد من الحراس والمصلين المقيمين في المسجد، ناهيك على الاعتداءات المتكررة على "باب الرحمة" ومحاولة إغلاقه، وخلال الأعياد اليهودية بين شهري أيلول وتشرين الأول من نفس العام. بالإضافة إلى عدم إحترام إسرائيل لأعياد المسلمين الذي تجلى باقتحام المسجد الأقصى في اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك في 11 آب 2019، والهجوم على المصلين بالرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، والضرب بالهراوات مما أسفر عن إصابة 37 شخصاً على الأقل، وإغلاق جميع البوابات المؤدية إلى المسجد. هذا عدا عن إعتداءات المستوطنين وخط الشعارات التحريضية على الأماكن المقدسة.
  • كما تواصل إسرائيل فرض القيود المفروضة على الوصول إلى الأماكن المقدسة المسيحية، بما في ذلك كنيسة القيامة، وخاصة خلال عيد الفصح وعيد الميلاد المجيد. إضافة إلى سجل حافل في الإعتداءات على الأماكن المسيحية المقدسة والمؤمنين المسيحيين بما في ذلك "قيام سلطات الاحتلال بالإعتداء على المؤمنين المسيحيين المشاركين في مسيرة أحد الشعانين في القدس، وإقدام عصابة تدفيع الثمن على إحراق كنيسة "جبل صهيون" في القدس المحتلة، وخط عبارات مسيئة للديانة المسيحية على جدرانها، والإعتداء على مقبرة دير بيت جمال للرهبان الساليزيان غرب مدينة القدس، وإقتحام شاب يهودي كنيسة القيامة بالحي المسيحي للبلدة القديمة في القدس المحتلة وهو يحمل سكيناً كبيراً في ذروة إحتفالات عيد الميلاد المجيد، بالإضافة إلى شروع سلطات الاحتلال بإصدار قانون ضريبة أملاك على الكنائس والأملاك التابعة لها بشكل غير قانوني، وسعيها الإستيلاء على أملاك تابعة للكنائس خاصة البطريركية الأرثوذكسية في باب الخليل بتشريع من محكمة الاحتلال العليا لصالح جمعيات استيطانية".[2] هذا غيض من فيض إنتهاكات سلطة الإحتلال للأماكن الدينية المقدسة.

 

هـ- مفهوم الإملاءات والشروط

على النمط الإسرائيلي الذي اعتاد وضع الشروط والإملاءات قبل البدء بأية جولة مفاوضات، فرضت الصفقة بين ترامب ونتنياهو على الجانب الفلسطيني شروطاً تدخل في إطار لعبة إلقاء اللوم على الجانب الفلسطيني في تضييع الفرصة التي لا تعتبر فرصة، حيث تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل أنه لا يمكن لأية قيادة فلسطينية أن تقبلها، وهذه الشروط من مرحلتين:

  • تضع المرحلة الأولى شروطاً للبدء في المفاوضات والإستمرار فيها، من بينها أن تمتنع فلسطين عن محاولة الاإضمام إلى أية منظمة دولية دون موافقة إسرائيل، وعن "اتخاذ أي إجراء ضد أي مواطن إسرائيلي أو أمريكي لدى الإنتربول أو أي نظام قانوني غير إسرائيلي أو أمريكي(..) وأن "توقف على الفور دفع الرواتب للشهداء والأسرى والجرحى"، "وتغيير القوانين المعمول بها بما يتماشى مع قوانين الولايات المتحدة". ومن ضمن الشروط استبعاد حركتي حماس والجهاد الإسلامي من أية حكومة فلسطينية ما لم تعترف المنظمتان بإسرائيل، وكل عضو من أعضائهما في الحكومة شخصياً بإسرائيل ونبذ العنف وقبول الإتفاقات المبرمة التي نقضتها دولة إسرائيل أصلاً.
  •  أما المرحلة الثانية، فهي الشروط المتعلقة بالتوصل إلى إتفاق سلام وعلى رأسها، الإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية والإعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل، والموافقة على الضم وعلى إستمرار الاحتلال لدولة فلسطين، وإنهاء "المطالب"، بما في ذلك الموافقة على إنهاء المركز القانوني للاجئين وتصفية حقوقهم.
  • من ضمن التنازلات الإسرائيلية، تعد الخطة بإمتناع إسرائيل عن هدم المباني خلال مفاوضات السلام، ولكنها عملياً تشرّع الهدم بموافقة فلسطينية بحجة الاستثناءات الثلاثة التي تستخدمها الآن لتبرير الهدم. (هذا الطرح لا يحول دون هدم أي بناء غير قانوني،....هدم أي هيكل يشكل خطراً على السلامة على النحو الذي تحدده دولة إسرائيل، أو عمليات الهدم العقابية التي تعقب أعمال الإرهاب).

 

و- الخاتمة

كما يتضح في أبرز المفاهيم التي تناولتها هذه الورقة، والتي تحاول فيها إدارة ترامب وإسرائيل تضليل المجتمع الدولي بشكل مدروس، فإن هذه الصفقة الثنائية اخترعت تاريخاً جديداً مزيفاً ينسجم مع المستقبل الذي تلبي فيه إدارة ترامب أحلام وطموحات إسرائيل بإلغاء الوجود الفلسطيني وهويته الوطنية لصالح ضمان وجودها وهيمنتها على فلسطين والمنطقة برمتها.

إن ما ورد في الخطة المنشورة، بما في ذلك اللغة الإستعلائية والعنصرية المتعجرفة التي تحط من شأن وتاريخ الشعب الفلسطيني، يظهر اليوم وبشكل قاطع أن الجانب الفلسطيني إتخذ الموقف الصحيح ببصيرة نافذة وتجربة عميقة برفضه العبث بمستقبل شعبنا ووجوده الوطني على أرضه.

إن موقف الشعب الفلسطيني وقيادته لا يعترفان بكل ما جاء في هذه الوثيقة المزورة التي تعتبر امتداداً لوعد بلفور ووليده "قانون القومية" العنصري، بما في ذلك الإعتراف بالاحتلال والقبول بإستمراره، مروراً بضم القدس والأغوار والمستوطنات، وترسيم نظام الفصل العنصري، وبإنتقاص السيادة الفلسطينية وإنتهاءاً برفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها قسراً. ويؤكد الموقف الفلسطيني على وحدة أرض دولة فلسطين، ويرفض أية تقسيمات أو وقائع مفروضة تتعارض مع ذلك، بما فيها الحلول المنقوصة والمُجتزأة.

إن معايير ومحددات السلام واضحة للقاصي والداني، ويدركها المجتمع الدولي إدراكاً تاماً، فإمّا نظام الفصل العنصري "الأبارتايد" في العصر الحديث أو سلام حقيقي يستند إلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية باعتبارها الأسس والمرجعية لأي حل سياسي عادل وشامل لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وضمان حقوق اللاجئين، وعقد مؤتمر دولي متعدد الأطراف يضمن هذا الحل نحو جلاء الإحتلال إلى الأبد، وتجسيد السيادة الكاملة على دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية.

وفي هذا الإطار، تدعو فلسطين جميع دول العالم إلى التصدي لمنتهكي القانون الدولي وإنفاذه، ومحاسبة الاحتلال وتداعيات وجوده المطول في أرضنا منذ 53 عاماً، وتوفير الحماية الدولية، ودعم الحق الفلسطيني في المنابر والمنظمات الدولية بما في ذلك الاعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية في الأمم المتحدة.

إن شعب فلسطين الراسخ في جذور هذه الأرض سيواصل نضاله الوطني المشروع الذي استمر لأكثر من مائة عام، وهو لا يأبه بالمارقين، ولن يكلّ أو يتوانى قيد أنملة عن إنجاز حقوقه غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حقه الأصيل والتاريخي المشروع في تقرير مصيره على أرضه والحرية والاستقلال والعودة، طال الزمن أو قصر.

 


[1] تقرير اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس: الاعتداءات الاسرائيلية على المقدسات المسيحية في الاراضي الفلسطينية المحتلة.

[2] مصدر ترجمة نصوص الصفقة الواردة باللون الداكن بين الأقواس: مركز الدراسات السياسية والتنموية

 

Back to top