إسرائيل لديها مشكلة لتحلها بنفسها، ديفيد نيومان

المقالات
آذار 23، 2002

إزالة المستوطنات

بئر السبع، إسرائيل – ليس هناك شيء يُسبب حواراً ساخناً في إسرائيل أكثر من مستقبل المستوطنات في الضفة الغربية وغزة. من الواضح الآن لمعظم الإسرائيليين أن التوصل إلى اتفاق سياسي نهائي مع الفلسطينيين سيتطلّب إزالة وإخلاء بعض، إن لم نقل كافة، المستوطنات. يجب أن تنص الخطة الدائمة على إقامة دولة فلسطينية متلاصقة ومتواصلة – ليست مماثلة للأقسام والمناطق غير المتواصلة للحكم الذاتي الفلسطيني التي أوجدتها اتفاقيات أوسلو وتركت المستوطنات في مكانها. مع أنه من غير الممكن إنكار هذه الحقيقة، تجنّبت كافة الحكومات الإسرائيلية، بما فيها اليسارية، الصفة العملية لإزالة المستوطنات، مع أن هذا التجنّب يجعل الاقتلاع النهائي للأعداد المتزايدة من المستوطنين أكثر صعوبة.

في السنوات العشر الأولى للاحتلال الإسرائيلي الذي تلا حرب عام 1967، اقتصر الاستيطان على الأطراف الشرقية لوادي الأردن والذي قامت به الحكومات العمالية التي ترأسها ليفي أشكول، غولدامئير واسحق رابين. هؤلاء لم يسمحوا ببناء المستوطنات في المناطق الفلسطينية ذات الكثافة السكانية بافتراض أنها ستصبح منطقة حكم ذاتي فلسطيني متّصلة بالأردن.

وفقط بعد الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1973، وبعد بروز حكومات الليكود اليمينية التي قادها مناحيم بيغن من عام 1977 إلى عام 1983، تمدّدت سياسة الاستيطان لتشمل كافة مناطق الضفة الغربية.

بتشجيع من الحركة الاستيطانية الدينية غوش ايمونيم، بدأت المستوطنات تنتشر في الجبال وعلى مقربة من الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية. اعتقد مؤيدو غوش ايمونيم أن الأرض التي احتلّت في عام 1967 عادت إلى أصحابها الشرعيين بحسب الوعد الإلهي الذي حصل عليه أجدادهم التوراتيون. فهم لم يكونوا مهتمين بمشاكل عملية مثل الديموغرافيا، الأمن أو الحقوق السياسية لشعب آخر. كما أعلنوا أنهم سيبذلون قُصارى جهدهم ليجعلوا من الصعب على أية حكومة أن تتنازل عن الأرض في اتفاق سياسي مستقبلي. منذ عام 1984، حكم إسرائيل العديد من حكومات الائتلاف الوطني التي تشكّلت من حزبي العمل اليساري والليكود اليميني. في كل مرة، تضمّن الاتفاق الائتلافي بنداً بتجميد كافة النشاطات الاستيطانية الإضافية. مع ذلك وبين عامي 1984 و2002، ارتفع عدد المستوطنين من 30,000 مستوطن إلى حوالي 200,000 مستوطن (بالأضافة الى 200,000 مستوطن يعيشون في القدس الشرقية التي لا يعتبرها الإسرائيليون جزءاً من الضفة الغربية).
تدير شؤون المستوطنات، كما هو حال التجمّعات السكنية الأخرى داخل إسرائيل، مجالس بلدية وإقليمية تُقدم الخدمات العامّة وتتحكّم بمشاريع التخطيط والتطوير المتعلقة باستخدام الأراضي. بينما تقول دراسة حديثة أجرتها منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بيتسيلم" أن المناطق المبنية من المستوطنات تحتل فقط 1.7% من مساحة الأراضي في الضفة الغربية، فإن المنطقة المُتضمّنة داخل الحدود البلدية للمستوطنات تحتل 6.8% من الأراضي.

وتُغطّي المجالس الإقليمية التي تُقدّم الخدمات للتجمعات السكنية الأصغر من خلال سلطة إقليمية مساحة إضافية تبلغ 35.1 %. وتتحكّم مجالس المستوطنات هذه معاً بـ 41.9% من مساحة الضفة الغربية. بعد عقود من النمو، أوجدت هذه المستوطنات مشهداً جديداً. فهي لم تعد مراكز على تِلال مكشوفة، بل مجتمعات متطورة لديها مدارس، ومراكز تجارية، ومناطق صناعية وخدمات بلدية. ثبات هذه التطورات يجعل من المستحيل تقريباً التخلص من كل المستوطنين. وبدلاً من ذلك، يدور النقاش حول كيفية رسم الحدود المستقبلية بين إسرائيل والدولة الفلسطينية بطريقة تُحافظ على وجود أكبر عدد من المستوطنين والمستوطنات على أقل مساحة ممكنة. وسيتطلّب هذا على الأرجح نقل مساحة مساوية من الأراضي من داخل إسرائيل ذاتها – اقترح البعض توسيع منطقة قطاع غزة – كتعويض عن أراضي المستوطنات التي سيتم ضمّها رسمياً إلى إسرائيل. وحتّى لو كان هذا الحل المتعلق بالأراضي مقبولاً لكلا الجانبين، سيكون من الضروري إخلاء 35-40% من المستوطنين القاطنين في مناطق أبعد باتجاه الشرق داخل الضفة الغربية. ويخشى الإسرائيليون من اليمين واليسار من اليوم الذي سترسل فيه الحكومة الجيش لإخلاء هذه المستوطنات إذا رفض المستوطنون الرحيل. حتّى في أفضل الأحوال ستجري هناك على الأرجح احتجاجات عنيفة مثل التي جرت في أوائل الثمانينيات حينما تم تفكيك مستوطنات شمال سيناء كجزء من اتفاقية السلام الإسرائيلية – المصرية. ستكون هناك في أسوأ الأحوال مواجهات مسلّحة بين الجنود والمستوطنين. ادّعى المستوطنون في بداية عهد تطوير المستوطنات أن تجمعاتهم السكنية ساهمت في الحفاظ على أمن إسرائيل. ولكن هذا غير مقبول لدى معظم الإسرائيليين الآن، حيث يتم النظر إلى المستوطنات بحق على أنها تُشكّل عبئا أمنيا على إسرائيل. بصورة مغايرة للأمور الأخرى التي يجب التفاوض عليها مع الفلسطينيين، يجب أن تقوم إسرائيل نفسها بحل مشكلة المستوطنات التي أقامتها ووسعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

سيكون الأمر صعباً على الإسرائيليين الذين عاشوا في الضفة الغربية لأكثر من 25 سنة وأولئك الذين وُلدوا فيها، حتى ولو أسكنتهم الحكومة في أماكن أخرى. لكنه سيكون جزءا من الثمن الذي عليهم وعلى المجتمع الإسرائيلي دفعه من أجل استقرار السلام في المنطقة.

كاتب هذا المقال الذي نُشر في نيويورك تايمز هو رئيس دائرة السياسة والحكومة في جامعة بن غوريون في النقب ومحرّر "انترناشونال جورنال أوف جيوبولتكس".

Back to top