من يعيد لي شادي طفلاً؟ -فيرهان دراغمة فرّاح

المقالات
آذار 08، 2017

من يعيد لي شادي طفلاً؟

بقلم: فيرهان دراغمة فرّاح

 والدة الطفل/ شادي فرّاح- أصغر أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

أنا امرأة فلسطينية أفخر بهويتي وانسانيتي،  ولكني أيضاً والدة أصغر أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الاسرائيلي. هكذا أعرّف نفسي وأنا أكتبُ هذا المقال بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. لكم أن تتخيلوا أنه لا يسعني اليوم سوى أن أعرّف نفسي  كوالدة أصغر أسير في سجون الاحتلال.

ابني الطفل شادي فرّاح، صبي صغير، وذكي، مليء بالحياة، ومحبوب لكل من عرفه، من العائلة والجيران والأصدقاء وزملاء الدراسة. هو راقص مبدع في الدبكة الفلسطينية، وسبّاح ماهر وراكب رائع للخيل، شادي أحب الغناء وأجاد  مادة الرياضيات.

لقد بذلنا أنا وزوجي قصارى جهدنا لتوفير كل ما يلزم لحياة كريمة لشادي وبقية أبنائنا، وشجعناهم على التعلم وتنمية الهوايات، وأنشأناهم على القيم النبيلة والصدق، والانفتاح في التعامل مع الآخرين وقبولهم كما هم، بغض النظر عن الجنسية أو الدين أو العرق.

في أحد الايام، كان شادي يقف منتظراً في محطة الحافلات في مدينتنا، مدينة القدس المحتلة، عندما اعتقلته شرطة  الاحتلال الإسرائيلية، واقتادته إلى مركز الشرطة الرئيسي "المسكوبية"، حيث تم إعلامنا باعتقاله في تمام العاشرة مساء، بعد أن أبلغنا عن غيابه الطويل. لقد اُتهم طفلي افتراءاً بالتخطيط لارتكاب جريمة باستخدام السكين، على الرغم من عدم وجود سكين في حوزته. وقد سئل شادي أثناء التحقيق: لو كنت تحمل سكيناً، فهل كنت ستُقدم على طعن اسرائيلي؟ فرد عليهم ببساطة أنه ليس قادراً على طعن أي إنسان.

اُعتقل شادي في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2015، وهو يبلغ من العمر 12 عاماً فقط! اختطفتْ الأخبار أنفاسي في تلك اللحظة، ووقع جميع أفراد الأسرة في حالة من الصدمة لفترة طويلة.

اُحتجز طفلي لمدة ستة أيام قبل نقله إلى "اصلاحية الاحداث"، وهي مركز احتجاز لمن هم فوق سن الخامسة عشرة.

وبعد عشرين جلسة في المحكمة خلال عام واحد، صدر الحكم النهائي في كانون الأول/ديسمبر الماضي: ابني الذي بلغ من العمر 13 عاماً اليوم سيقضي عامين إضافيين في السجن!

كيف لعينيّ أن تغفو وهما لا تريان إلا طفلي الصغير خائفاً وحيداً في زنزانة باردة مظلمة؟  شادي الذي لا يستطيع النوم إلا في حضني وهو يضع إصبعه في فمه، انفصل عن طفولته قسراً  ليبدأ مرحلة خطيرة في حياته مع السجناء والمجرمين! كيف لي أن أغفو وانا أعلم أن طفلي أجبر على الوقوف عارياً في تلك الزنزانة في إحدى مراحل اعتقاله؟ كيف لي أن أقنع شادي وبقية أبنائي بعد هذا اليوم أنني ووالده قادرين على حمايتهم ورفدهم بالشعور بالأمان بعد أن تجبّرت دولة احتلال بأكملها على طفل؟                                                                                                                                                                      

انقلبت حياتنا رأسا على عقب حتى أضحت كالجحيم. فأصغر أولادي، ريان، البالغ من العمر ثلاث سنوات فقط، متعلق جداً بشقيقه شادي، وبينما أرقبُ تصرفاته وهو يتابع أخيه في قاعة المحكمة مكبّل اليدين والقدمين بأغلال حديدية، أو عندما ألمح الحزن الكامن في وجنتيه ونحن نهمّ بإنهاء الزيارة يتحطم قلبي مرتين. لقد أصبح ريان أسيراً آخراً لمشهد متكامل من غطرسة القوة و ظلم الاحتلال!

لربما أشعر بالعجز في معظم الاحيان، وأصارع أسئلة بحجم الكون، كيف سيكبر طفلي بين قضبان السجون؟ ومن سيعيد لي شادي طفلاً مرة أخرى؟ ولكنني، كإمرأة وكأم أيضاً، أستنهض قواي وصمودي من أجل ولدي الصغير، وأطوّع أمنياتي الكبيرة واحلامي بخروجه سالماً من الاعتقال، واستجمع نفسي، وأشارك في الاعمال الطوعية المجتمعية وورش العمل المختلفة حول القانون الدولي الإنساني، ودراسة اللغات لإيصال قضية طفلي الى الملأ. فجلُّ ما نسعى إليه الآن هو إعلان قصة شادي للعالم أجمع. شادي الذي يمثل جيلاً كاملاً من الأطفال الفلسطينيين الممقهورين الذين ينشأون في ظل الاحتلال العسكري، والذين، حتى قبل الوصول إلى سن المراهقة، يتعرضون الى أشكال العنصرية والاضطهاد. إن كل قصة من قصص هؤلاء الأطفال يجب أن يسمعها ويعيها العالم ويحاول قدر جهده من أجلها. ولذلك، قمتُ بالتواصل مع الكثير من الأصدقاء المحبين للحرية والسلام من جميع أنحاء العالم، والذين وقفوا إلى جانبي متضامنين مع قضية ولدي، كما قمتُ بالتحدث مع وسائل إعلام محلية ودولية متعددة، حتى وصلتُ إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأجريتُ فيها العديد من المقابلات والاجتماعات واللقاءات، بما فيها لقاء لا يُنسى في جامعة "كينت" في ولاية أوهايو، حيث غمرني الترحيب الحار من طلابها. لقد كانت بالفعل تجربة فريدة لامستْ خلالها قصة ولدي وأطفال فلسطين قلوبهم وحاكت عقولهم. فكل طفل في دولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية يحظى بالاهتمام والرعاية من المجتمع بأكمله. إذا هو استحقاق الطفولة الطبيعي والانساني الذي يُحرم منه أطفال فلسطين.

أيها العالم الحر، بنسائه ورجاله، كيف يمكن لنا وقف موجة العنف والتطرف والعنصرية في منطقتنا إن لم نقف معاً ضد سياسات الاحتلال الاسرائيلي التي تستهدف كل شخص منا، رجل أو امرأة أو طفل. كيف يمكن إنقاذ طفل أخر مما تعرض له طفلي؟

من أجل شادي، وجميع أطفال فلسطين، من أجل البشرية جمعاء، أدعوكم/ن في هذا اليوم تحديداً، يوم المرأة العالمي، والذي يذكّرنا بما حققته النساء من إنجازات عظام على جميع الأصعدة، إلى الانضمام لي في التحدث بجرأة في كل أنحاء العالم لمواجهة الظلم والقهر والتمييز أينما وجد، ولإنهاء الاحتلال ووضع حدٍ لسياساته غير القانونية والقاسية.

معاً فقط نستطيع تحقيق العدالة.

 كل عام والمرأة الفلسطينية وكل نساء العالم ينعمن بالأمن والسلام، كل عام وأنتم/ن بخير.  

Back to top