كلمة السيد محمود عباس في المنتدى الاقتصادي العالمي في شرم الشيخ

الخطابات
أيار 21، 2006

سيادة الأخ الرئيس حُسني مُبارك

أصحاب المعالي والسعادة، السيدات والسادة أعضاء المنتدى، الضيوف الكرام

أشكركم على دعوتكم الكريمة، ويُشرفني أن أتحدث أمامكم اليوم في هذا المُنتدى العريق، الذي يضم نخبة من الكفاءات والقيادات الدولية في مجالات السياسة والاقتصاد والاستثمار، الباحثة عن التنمية والتطور والتعاون، في كافة المجالات الاقتصادية. وما يقود إليه ذلك من آثار إيجابية في مواجهة الفقر والبطالة ومردود ذلك على الأمن، والسلام، والاستقرار، في المنطقة والعالم أجمع.

السيدات والسادة

أُدركُ ما يدور في عقولكم حول الحالة الفلسطينية، وأرجو ألا تعطيكم المشاهد اليومية التي تنقلها شاشات التلفزيون، صورة سوداوية. نعم تمر بلادي بأزمة هي الأسوأ عبر سنوات هذا الصراع بأبعاده السياسية والعسكرية الخطيرة. أزمة تهدد بمزيد من الفقر وتدهور الأوضاع الصحية والتعليمية وتدمير البنية الأساسية، مما قد يجرف خيار الدولة الفلسطينية التي يجب أن تعيش بأمن ورخاء إلى جانب إسرائيل، وهو الأمل الذي عاش الشعب الفلسطيني وصمد لتحقيقه على أرضه. 

وأناشدكم ألا تدَعَوا الصورة السوداء تدفعكم لانتهاج سياسة الممكن، بدل سياسة الضروري، فالإرادة الدولية أوجدت حلولاً لأصعب الأزمات العالمية والاقتصادية، وواجهت التحديات بحزم وصرامة، حتى تم إنجاز اللازم، وإن بدا للكثيرين كالمستحيل. ورغم كافة التغييرات والأزمات المادية، فالثابت هو أن الشعب الفلسطيني يسعى وببساطة إلى الحرية –الحرية الحقيقية- على 22% من أرض فلسطين التاريخية. وعليه جئت ببرنامجي السياسي الذي خضت الانتخابات على أساسه، وتمثل بالاعتراف المتبادل، ومبدأ إقامة دولتين فلسطين وإسرائيل، ونبذ العُنف، والسعي لحل الصراع مع إسرائيل عبر الطرق السلمية ومن خلال عملية سلام تقود إلى تنفيذ خارطة الطريق ككل لا يتجزأ، وصولاً إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967.

إن هذا البرنامج السياسي، جاء استمراراً لقرار شعبنا التاريخي عام 1988، عندما اعتمد مجلسنا الوطني، مبادرة السلام الفلسطينية، ووافق على قراري مجلس الأمن 242 و 338، وطرح فرصة إنجاز مصالحة تاريخية. إن هذه المبادئ لم تتغير حتى بعد أقسى الضربات لعملية السلام، وفي مقدمتها الاستيطان، وبناء الجدار، ومصادرة الأراضي، لخلق أمر واقع يستبق نتائج المفاوضات. إن جوهر هذا البرنامج لم يتغير، لأنه خيار الشعب الفلسطيني التاريخي في الداخل والخارج، وقد عدت وأكدت عليه في كتاب التكليف لرئيس الحكومة، بعد فوز حماس في الانتخابات الأخيرة، وذكّرته بأن نهج الحكومة السياسي يجب أن يستند إلى هذا البرنامج السياسي الذي فوضني الشعب على أساسه.
ولكن الانتقال من المعارضة إلى السلطة يتطلب تغيرات كبيرة تأخذ بعض الوقت، والحكومة اليوم عمرها سبعة أسابيع فقط، وأرى أن تعطى الفرصة لتبني الخيار التاريخي للشعب الفلسطيني، وذلك بالحوار الصريح والبناء من أجل المصلحة الوطنية العليا، ومن أجل هذا الهدف فإنني سأرعى الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، الذي سيبدأ يوم الخامس والعشرين من هذا الشهر، بما يشمل الحكومة، والذي يسعى إلى توحيد الهدف وأدوات تحقيقه الرامي إلى حل سياسي عبر التفاوض لإنجاز حل الدولتين والحقوق الشرعية لشعبنا.

ولكنني أرى في نفس الوقت أن قطع المُساعدات والعقوبات الجماعية، سيؤديان إلى كارثة إنسانية مُحققة تطال كافة قطاعات الشعب الفلسطيني، ولهذا فإنني أجوب العالم في محاولة لتأمين المساعدات الدولية لشعبنا وذلك بموازاة استمرار بذل كل جهدٍ مُمكن مع الحكومة حتى تقبل برنامج التكليف، بما فيه من التزامات على السلطة الوطنية الفلسطينية. إن وقف المساعدات ومصادرة إسرائيل للأموال الفلسطينية التي تجبيها في موانئها، وعدم تحويلها للخزينة الفلسطينية، لن يساهم حكماً في خلق أجواء تخدم وتفعل المسار السياسي، بل إنه عمل مناف لكافة الاتفاقات والقوانين الدولية لأنه يسلب المعلم والطبيب والشرطي لقمة عيشه وقوت أبنائه.

السيدات والسادة

لقد دعوت الحكومة الإسرائيلية الجديدة إلى الابتعاد عن نهج الإجراءات أحادية الجانب وبناء الجدار والمستوطنات والاقتحامات والاغتيالات والاعتقالات والحصار والإغلاق وفرض الحقائق على الأرض، خاصة فيما يتعلق بمدينة القدس. فهذه السياسات والمُمارسات أدت خلال العقود الماضية إلى توسيع دائرة العُنف والفوضى والتطرف وإراقة الدماء.
ولقد قمت قبل أيام بالاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت وقدمت له التهنئة على تشكيل الحكومة الجديدة ، وأقدم التهنئة أيضاً للسيدة تسيبي ليبني على نيلها الثقة كوزيرة للخارجية ونائبةً لرئيس الوزراء.
وأعربت للسيد أولمرت عن رغبتي في استئناف الشراكة معه من أجل السلام. فلا سبيل أمامنا سوى استئناف عملية سلام ذات مغزى تقود إلى تنفيذ خارطة الطريق، عملية سلام حقيقية تقود إلى إنهاء الاحتلال ومعه إنهاء الصراع على أساس تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة، فيما يتعلق بكافة قضايا مفاوضات الوضع النهائي التي نصت عليها اتفاقات أوسلو وهي (القدس والمستوطنات واللاجئين والمياه والحدود) وغيرها من قضايا الاهتمام المُشترك.
وقد يقول البعض: كيف يُمكن استئناف مفاوضات في ظل وجود حكومة فلسطينية لا تعترف بإسرائيل؟. وأردُ على ذلك بأن المفاوضات السياسية مع الحكومة الإسرائيلية هي خيار تاريخي للشعب الفلسطيني ومن اختصاص وولاية مُنظمة التحرير الفلسطينية ودائرة شؤون المفاوضات فيها، والحكومة الفلسطينية لن تُعارض ذلك، ولن تضع العراقيل أمام هذه المُحادثات. ومن جانبي سأقوم بعرض نتائج ما سنتوصل إليه على الشعب الفلسطيني، فالسلام ليس مُجرد توقيع للقادة ، وإنما سيكون بحاجة إلى موافقة الشعب ، ولذلك جاءت فكرة الاستفتاء الشعبي.

السيدات والسادة

إنني آمل أن تتخلى الحكومة الإسرائيلية الجديدة عن شعار ( لا يوجد شريك)، وهو الشعار الذي طرحته منذ خمس سنوات كاملة أي قبل الانتخابات الفلسطينية الأخيرة وظهور نتائجها، وأن تقبل دعوتنا للعودة إلى طاولة المفاوضات، لأن رسم الحدود النهائية لا يمكن أن يتم عبر الإملاءات بل بالمفاوضات، وتوفير الأمن والسلام والالتزامات لن يأتي عبر بناء الجدار الفاصل وفرض الحلول العسكرية ، وإنما عبر حل سياسي عادل وشامل من خلال تنفيذ خارطة الطريق ووفقاً لجدول زمني يُتفق عليه،كما أنه يتطلب حلولاً اقتصادية مبدعة، وتوفير حرية حقيقية للاستثمار وللتجارة ولحرية المرور وتعاوناً اقتصادياً حقيقياً للانطلاق إلى المستقبل.
إن السياسة الأحادية عبارة عن سراب يغري العالم المنهك، الذي يشعر بالمرارة بأوهام تبدو كحلول، لأنها الممكن السهل وليس الضروري الذي يحتاج إلى الجهد. إنه يعد بترتيبات "دائمة" بدون حل لأي من القضايا الأساسية للنزاع. إن الأحادية لا تستطيع جلب الأمن للشعبين في الوقت الذي فيه تخرق حقوقنا الأساسية، وتدخلنا في بؤس خانق وسجون تزداد ضيقاً،وهي لا تستطيع أيضا وضع نهاية للاحتلال أو نهاية للصراع، بل ستضع نهاية سريعة لحل الدولتين وستزيد العنف.

إذن، هذا هو الخيار الذي نواجهه اليوم، هل نحن كفلسطينيين وإسرائيليين ومجتمع دولي ننفي احتمالية سلام للأجيال المستقبلية في الشرق الأوسط بقبول غير القابل للبقاء؟ أم نتمسك بفرصة صنع سلام حقيقي في المنطقة؟ هل نستسلم لشلل خبيث أو نختار الارتفاع فوق قيود الأيديولوجية ونفعل ما نعرف جميعاً أن من الضروري فعله؟ لأنه إذا سمحنا لحل الدولتين أن يموت الآن، فإننا نحدد ونفسد أحلام أحفادنا غداً.
لقد آن الأوان لإنهاء الاحتلال وإنهاء الصراع، وإني أدرك أن ذلك هو غاية وهدف الغالبية العظمى للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني ولكافة شعوب المنطقة والعالم، إن تحقيق السلام العادل والوفاق والرخاء الاقتصادي في الأرض المقدسة هو الذي سيؤدي إلى الاستقرار والأمن والرخاء لمنطقتنا بل للعالم بأسره.
مرة أخرى أشكركم على هذه الدعوة ، وأؤمن أنني تحدثت إلى أصدقاء وشركاء في قيم الحُرية والديمقراطية والسلام والاستقرار والحوار، وأثق أننا سنواصل معاً العمل من أجل تحقيق مُعاهدة سلام تاريخية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وفي النهاية، أتمنى أن يخرج مؤتمركم هذا بما تصبون إليه من نتائج، وهنا أشكر الشقيقة مصر ورئيسها أخي محمد حسني مبارك، الذي يواصل النهار بالليل للتوصل إلى حل تاريخي شامل ودائم وعادل يضمن تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وأتوجه بالشكر إلى البروفيسور كلاوس شواب، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي على إنجاز هذا المؤتمر بأفضل حال.

وشكـــــراً

Back to top