الفجوات "في تجميد الاستيطان : فشل ترتيبات التجميد الجزئي"

موارد إضافية
تشرين الثاني 01، 2007

تستمر إسرائيل في توسيع مستوطناتها في الضفة الغربية، وخصوصاً داخل وحول القدس الشرقية المحتلة، في انتهاك سافر للقانون الدولي والتزاماتها وفقاً لخارطة الطريق، مما يُعرّض للخطر إمكانية إقامة دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالي عملية السلام التي تقوم على مبدأ حل الدولتين. تجميد النشاط الاستيطاني الاسرائيلي في المرحلة الإنتقالية يجب أن يكون شامل وأن يضع حد لأي نشاط استيطاني مستقبلي لضمان عدم حدوث المزيد من الضرر للمصالح الفلسطينية، وبالتالي لحل الدولتين.

خارطة الطريق تلزم الطرف الإسرائيلي بصورة واضحة بتجميد النشاط الاستيطاني بشكل كامل:

  • "بالتوافق مع تقرير ميتشيل، تُجمّد حكومة إسرائيل كافة النشاطات الاستيطانية (بما فيها النمو الطبيعي للمستوطنات)".

  • "تقوم حكومة إسرائيل على الفور بتفكيك البؤر الاستيطانية المقامة منذ آذار 2001".

  • "لا تقوم حكومة إسرائيل بأية أعمال تُقوّض الثقة، بما في ذلك الابعاد، الاعتداء على المدنيين، مصادرة و/أو هدم المنازل والممتلكات الفلسطينية كاجراء عقابي أو لتسهيل البناء الاسرائيلي ...".

هذه الشروط لم تكن محض الصدفة بل تهدف الى ردم الفجوات الموجودة في ترتيبات "التجميد" الجزئي التي اتفق عليها بين إسرائيل والولايات المتحدة بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو. حيث أدّت هذه الترتيبات إلى نمو استيطاني غير مسبوق، وبذلك أجحفت بنتيجة مفاوضات الوضع الدائم وقوّضت فُرص نجاح حل الدولتين.

سنوات أوسلو: مرحلة نمو استيطاني غير مسبوق

أدّت العديد من ترتيبات التجميد الجزئي للاستيطان إلى نسب غير مسبوقة من النمو الاستيطاني. زاد العدد الكلي للمستوطنين الاسرائيليين في الفترة من عام 1993 إلى عام 2000 بنسبة 40% تقريباً، بينما زاد عدد الوحدات السكنية الاستيطانية في الضفة الغربية (باستثناء القدس الشرقية) بنسبة 52%1. كما نما عدد المستوطنين بنسبة 5.5% في السنة2، أو ضعفي نسبة تزايد السكان اليهود في إسرائيل، والذين كان معدل نموهم السنوي في ذلك الوقت 2-3%. قامت الحكومة الاسرائيلية في هذه الفترة أيضاً بمصادرة 215700 دونم من الأرض الفلسطينية، وسمحت لمستوطنات مثل بيتار عيليت، ميتزبيه راحيل، وجيفعات زئيف بمضاعفة حجمها بثلاث مرات3.

  • حكومات رابين / بيرس (1992-1996): سمح الترتيب الذي جرى في عام 1992 بين رئيس الوزراء اسحق رابين والحكومة الأمريكية لإسرائيل بمواصلة البناء الاستيطاني بنسبة لم يسبق لها مثيل في سنوات الاحتلال الست والعشرون السابقة. في ظل حكومة رابين، تواصل البناء الاستيطاني بمعدل 3800 وحدة سكنية في السنة، أي ثلاثة أضعاف النسبة التاريخية المتمثّلة بـ 1200 وحدة سكنية في السنة4. وبحلول منتصف عام 1996، زادت أعداد المستوطنين في الضفة الغربية، باستثناء المستوطنين داخل وحول القدس الشرقية المحتلة، بنسبة 50% لتصل إلى حوالي 153000 مستوطن5.
    مع أن رابين وعد بأنه لن يبني "مستوطنات جديدة" من دون موافقة الحكومة وأنه سيمنع البناء الخاص، أذعنت إدارة بوش للمطالب الاسرائيلية بالسماح باكمال 11000 وحدة سكنية قيد البناء وبناء استيطاني غير مقيّد داخل وحول القدس الشرقية المحتلة وفي وادي الأردن، وتلبية غير محددة "لحاجات النمو الطبيعي". استثنى الاتفاق على نحو خاص بناء الوحدات السكنية والطرق الاستيطانية الخاصة بالمستوطنين في منطقة "القدس الكبرى" في مستوطنات مثل معالي أدوميم، وجوش عتصيون، وجيفعات زئيف، وهي مستوطنات أساسية مصمّمة لفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها وعزل القدس الشرقية الفلسطينية بصورة أكبر.

 

  • حكومة نتنياهو (1996-1998): سمحت تفاهمات مماثلة لحكومة نتنياهو بزيادة الوحدات السكنية في عام 1998 بنسبة 100% ليبلغ عددها 4210 وحدة سكنية، وهي النسبة الأعلى من النمو الاستيطاني منذ كان أرئيل شارون وزيراً للاسكان في عامي 1991-1992. عِوضاً من الاصرار على تجميد كامل للاستيطان، اكتفى المسؤولون الأمريكيون بأن تتجنب إسرائيل التوسّع "الكبير أو الملحوظ"، وتقييد النمو "بالمناطق المتواصلة"، وتجنب البناء "خارج المحيط". استغلت إسرائيل هذه الترتيبات بادعاء أن المستوطنات الجديدة المقامة هي "أحياء جديدة"، وبتشجيع اقامة "البؤر" الاستيطانية التي توسّعت من تلة إلى تلة، إضافة إلى اقامة العديد من المستوطنات "الرسمية" الجديدة. كما سمح التجميد الجزئي لإسرائيل بمواصلة بناء طرق التفافية رئيسية خاصّة بالمستوطنين وبُنى تحتية استيطانية أخرى، وتوسيع تواجدها الاستيطاني في القدس الشرقية المحتلة. لقد أدّت سياسات نتنياهو الذي حكم لمدة 32 شهراً إلى بناء أكثر من 20000 وحدة سكنية استيطانية، وبيع اكثر من 14000 وحدة منها، وزيادة العدد الكلي للمستوطنين (باستثناء المستوطنين في القدس الشرقية) بأكثر من 20% (من 153000 مستوطن إلى 180000 مستوطن)6.

 

  • حكومة باراك (1998-2001): رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك، الذي واصل العمل بالترتيبات السابقة، فاق سلفيه في الاسراع بالتوسع الاستيطاني في الأرض الفلسطينية المحتلة في الفترة التي قادت إلى مفاوضات الوضع الدائم. إضافة إلى الموافقة على خطط نتنياهو لبناء 11000 شقة جديدة و2830 عطاء سكني7، منح باراك "الصفة القانونية" لـ 32 بؤرة استيطانية أقيمت في عهد الحكومة السابقة وأقام ثلاث مستوطنات "رسمية" أخرى8. كما صرّح باراك باقامة حوالي 4800 وحدة سكنية جديدة في كافة أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة9.
  • حكومة شارون (2001-2006): في سياق بناء الجدار الاسرائيلي وخطة "الانفصال" لرئيس الوزراء أرئيل شارون، اتفقت الادارة الأمريكية وإسرائيل على شروط جديدة لتحديد النمو الاستيطاني. سمحت هذه الترتيبات، التي عبّر عنها دوف فايسغلاس، رئيس ديوان أرئيل شارون، في رسالة إلى مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس في نيسان 2004، لإسرائيل بمواصلة البناء والتوسّع الاستيطاني "للنمو الطبيعي" ضمن "خطوط البناء" الحالية في مناطق الاستيطان الرئيسية. كما لم تنجح خطط ادارة بوش في رسم "خطوط بناء" طبيعية تُحدد مدى توسّع المستوطنات الاسرائيلية بسبب الاشكالية التي يسببها هذا لإسرائيل، فنياً وسياسياً. تم التخلي رسمياً عن هذه الخطط في صيف عام 2005.

"الفجوات" في تجميد الاستيطان

حوالي 40% من نحو 460000 مستوطن اسرائيلي والذين يعيشون الآن في الأرض الفلسطينية المحتلة وربع من المستوطنات التي يفوق عددها 170 مستوطنة موزعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 أقيموا بعد التوقيع على اتفاق أوسلو. يُعزى هذا كما أشرنا أعلاه إلى أن صيغ التجميد الجزئي المختلفة المستخدمة في ذلك الوقت والتي أوجدت "فجوات" سمحت بمواصلة النمو الاستيطاني، وهو ما قضى فعلياً على الأثر والقصد من التجميد. فيما يلي بعض الفجوات في ترتيبات التجميد التي فشلت مراراً في الحد من النمو الاستيطاني على مدى سنوات.

  • السماح "بالنمو الطبيعي" – يُشير "النمو الطبيعي" إلى الزيادة في أعداد المستوطنين الناتجة عن حالات الولادة والهجرة. لكن لا يوجد شيء "طبيعي" في النمو الاستيطاني الاسرائيلي: وهذا يُعزى بصورة كبيرة إلى التمويل والحوافز التي تقدمها الحكومة الاسرائيلية، كما أن نسبة النمو في أعداد المستوطنين الاسرائيليين في الأرض الفلسطينية المحتلة هي عدة مرات أعلى منها في إسرائيل ذاتها. إضافة إلى النمو غير المقيد لأعداد المستوطنين، تسمح هذه الصيغة أيضاً بالتوسع في الأرض والبنى التحتية اللازمة ظاهرياً لاستيعاب هذا النمو. هذا هو بالضبط سبب الاستثناء الواضح "للنمو الطبيعي" من خارطة الطريق.
    • مثال: في حين نمت المدن والقرى في إسرائيل بنسبة 1.7% في عامي 2003-2004، نمت المستوطنات الاسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة بنسبة 5.5%، أو بسرعة تزيد بثلاث مرات، خلال ذات الفترة. في ذات الوقت، نمت بعض المستوطنات بنسبة أعلى بكثير مثل مستوطنة بيت أرييه (36.6%)، يتسهار (21.4%)، وجيفعات بنيامين (12.8%)10.
  • "لا مستوطنات جديدة" – بينما تحظر ظاهرياً بناء مستوطنات جديدة، تسمح هذه الصيغة عملياً بمواصلة انشاء مستوطنات جديدة بزعم بناء "أحياء" أو "بؤر" استيطانية، إضافة إلى التوسّع الاقليمي والطبيعي والديمغرافي للمستوطنات الموجودة. في تحقيق اجرته الحكومة الاسرائيلية في عام 2005، اعترف مدير ادارة البناء الريفي في اسرائيل في رسالة بعث بها إلى المحامية تاليا ساسون بانه "عندما لا يكون ممكناً، بسبب العلاقات الدولية، اقامة مستوطنات جديدة في يهودا والسامرة ، قرّر صانعوا السياسة توسيع المستوطنات الموجودة عوضاً عن ذلك، حتى وإن كان التوسّع غير متواصل جغرافياً مع المستوطنة الموجودة"11. وبما أن معظم الأرض المخصّصة للبناء الاستيطاني والتوسّع المستقبلي تتبع "الصلاحية" الاستيطانية، والتي تُمثّل 42% من كامل الضفة الغربية12، ومعظم "الخطط الكبرى" للمستوطنات أقرّتها الحكومات الاسرائيلية السابقة، سوف يسمح هذا للمستوطنات الحالية بالاستمرار في التوسّع باكثر من حجمها الحالي بمرات عديدة.
    • مثال: أقيمت المستوطنات ("الأحياء") الجديدة بالقرب من مستوطنة تالمون (شمال غرب رام الله): "تالمون ب"، "تالمون ج"، "تالمون د". وهي كلها غير متواصلة جغرافياً وتقع على بُعد 0.5-1.5 كيلومتر من تالمون ذاتها.
  • "لا بناء خارج خط البناء" – تتضمّن هذه الصيغة تحديد النمو الاستيطاني بمنطقة معينة في المستوطنة، كما هي معلّمة بخط. تتضمّن هذه الصيغة تقييد النمو الاستيطاني بداخل "المحيط" أو مناطق المستوطنات الحالية "المبنية". إضافة الى الوهم، إن لم نقل العشوائية، المتعلق بالتحديد الدقيق للمكان الذي يُرسم فيه "خط البناء"، تسمح هذه الصيغة بنمو "عمودي" غير محدود بالسماح بزيادة أعداد السكان وتكثيف المستوطنات. كما تسمح لإسرائيل بالاستمرار في توسيع أراضي المستوطنات بدمج المناطق الاستيطانية غير المتواصلة جغرافياً والأرض الخالية بينها في "خط بناء" واحد موسّع.
    • مثال: بدمج المناطق المبنية غير المتواصلة جغرافياً داخل الحدود "البلدية" لمستوطنة أرئيل، في المنطقة الوسطى من شمال الضفة الغربية، تستطيع إسرائيل توسيع المستوطنة باكثر من حجمها الحالي بثلاث مرات ونصف.

 

  • "منع مصادرة أراضي للبناء" – هذه الصيغة غير فعّالة اطلاقاً في ابطاء النشاط الاستيطاني لأن إسرائيل، كما ذكرنا أعلاه، قد صادرت معظم الأرض التي تُريدها للمستوطنات ولتوسّعها المستقبلي، ومنحت المستوطنات الاسرائيلية احتياطي توسّع يصل إلى أكثر من 40% من الضفة الغربية. كما أن اللغة الصارمة لهذه الصيغة تنطبق فقط على وسيلة واحدة من مصادرة الأرض – التجريد من الملكية – وتستثني الطرق الأخرى الكثيرة التي تستخدمها إسرائيل في مصادرة الأرض الفلسطينية مثل الاستيلاء والاعلان عن أرض بأنها أرض دولة. كما أنها تسمح لإسرائيل بمواصلة الاستيلاء على الأرض الفلسطينية لأهداف "غير البناء" مثل الزراعة، والطرق الالتفافية الاستيطانية والأسيجة، والأسباب "الأمنية" غير المحددة، وتنفيذ أوامر المصادرة المعلقة.
    • مثال: أصدر الجيش الاسرائيلي في نيسان 2005 أمراً بمصادرة 280 دونم حول مستوطنتي أفني هيفيتز وعيناف بالقرب من طولكرم لبناء أسيجة حول المستوطنتين، بينما سيطر فعلياً على 1550 دونم اضافية من الأرض الواقعة داخل المحيط الجديد للمستوطنتين والتي تعود ملكيتها للقرى الفلسطينية المجاورة.
  • "منع تقديم حوافز اقتصادية خاصة للمستوطنات" – تسمح هذه الفجوة للمستوطنات والمستوطنين بالاستمرار في الحصول على الحوافز الاقتصادية (مثل الاعفاءات الضريبية واعانات الرهن العقاري) لأن المستوطنات تعتبر "مناطق أولوية وطنية" للحكومة الإسرائيلية. حيث انه توجد "مناطق أولوية وطنية" أيضاً داخل إسرائيل، تستطيع الحكومة الاسرائيلية المجادلة بأنه لا توجد حوافز حكومية خاصّة للمستوطنات في حد ذاتها. تستثني هذه الصيغة أيضاً التمويل والبناء الخاص المسؤول عن معظم نشاطات البناء الاستيطاني في الأرض الفلسطينية المحتلة. تستمر المستوطنات الاسرائيلية في الحصول على دعم مالي كبير وحوافز اقتصادية من الوزارات الاسرائيلية المختلفة كما وثّق ذلك تقرير ساسون13.
    • مثال: تمنح الحكومة الاسرائيلية وضع "أولوية وطنية" للمستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة كجزء من جهودها لتشجيع المواطنين الاسرائيليين على الاستيطان في الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية)، وهو ما يؤهل المستوطنات للحصول على ملايين الدولارات كتمويل واعانات حكومية سنوية.
  • "منع اصدار عطاءات أو تصاريح بناء جديدة" – تسمح هذه الصيغة لإسرائيل (أو لأطراف أخرى) بالعمل وفقاً لعطاءات أو تصاريح بناء أصدرتها السلطات الاسرائيلية في السابق بحجة أن أطراف خاصة تُتابع هذه النشاطات، ولذلك لا تستطيع الحكومة الاسرائيلية "عمل أي شيء حيالها". لكن القوانين الادارية والتعاقدية الاسرائيلية تمنح الفرع التنفيذي السلطة الحق باللانسحاب من هذه الاتفاقيات التعاقدية عندما لا يتوافق تنفيذها مع المصلحة العامة.
    • مثال: كان هناك في حزيران 2006 3461 وحدة سكنية قيد البناء في الضفة الغربية (باستثناء القدس الشرقية) وتم اصدار نحو 952 عطاء (باستثناء العطاءات في القدس الشرقية) لاقامة وحدات سكنية استيطانية جديدة في عام 2006.
  • "استثناء القدس الشرقية" - في ظل هذه الفجوة والتي لا يتم التصريح بها عادة، فإن المستوطنات الاسرائيلية في نطاق الحدود البلدية للقدس، التي قامت إسرائيل بتوسيعها بصورة أحادية، مستثناة من التجميد الاستيطاني. لكن القدس الشرقية هي أرض محتلة كما هو حال باقي الضفة الغربية. لهذا فإنها تخضع لذات بنود القانون الدولي التي تحظر اقامة المستوطنات الاسرائيلية على أي جزء آخر من الأرض الفلسطينية المحتلة. بالرغم من توسيع تطبيق القانون الاسرائيلي ليشمل القدس الشرقية والقرى المحيطة بها، لا تعترف كافة دول العالم تقريباً، بما فيها الولايات المتحدة، بضم إسرائيل غير القانوني للقدس الشرقية. مع ذلك ولأسباب المصالح السياسية، تم استثناء المستوطنات الاسرائيلية في القدس الشرقية، والتي تحتوي على نحو 185000 مستوطن من ضمن حوالي 460000 مستوطن (42%) في الأرض الفلسطينية المحتلة، من ترتيبات التجميد السابقة.
Back to top