خطة "الانفصال" و البيئة: تعرية قطاع غزة

اوراق حقائق
آب 01، 2005

ورقة حقائق:

كان لاحتلال إسرائيل لقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية آثار سلبية على البيئة. سوف يعمل إخلاء إسرائيل للمستوطنات والمنشآت العسكرية في قطاع غزة على تفاقم الأزمة البيئية لغزة أو التحضير لبداية جديدة.

عملت إسرائيل خلال 38 عاماً من الاحتلال العسكري لغزة على مصادرة الأرض الفلسطينية وبناء المستوطنات غير القانونية واستغلت الموارد الفلسطينية في كل أنحاء قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

يجب أن تُقدّم إسرائيل وفقاً للقانون الدولي تعويضاً كاملاً عن الأضرار التي ألحقتها بالأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني و/أو التعويض المادي عن أية أضرار حصلت. أكّدت محكمة العدل الدولية مؤخراً على هذا المبدأ فيما يتعلّق بنظام الجدار ودعت محكمة العدل الدولية في تموز 2004 إسرائيل إلى تفكيك كافة أقسام الجدار الذي بُني على الأرض الفلسطينية المحتلة وتعويض الفلسطينيين عن أية أضرار ناجمة عن الجدار والنظام الملحق به.

خلال تطبيق خطة الانفصال من الممكن أن يُشكّل ركام المستوطنات المحتوي على الاسبست مخاطر صحية كبيرة على سكان غزة. ويجب أن تعمل إسرائيل بعد الانفصال مع الفلسطينيين لإيجاد حل فوري للمسائل البيئية القديمة ذات الصلة بالمياه ومياه المجاري التي كان الكثير منها نتيجة للسياسات الإسرائيلية الفاشلة في كل أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.

يسعى الفلسطينيون الآن إلى تحويل خطة "الانفصال" الإسرائيلية الأحادية إلى مستقبل من السلام والأمن والازدهار للجميع. وفي ذات الوقت يجب أن يمنع الفلسطينيون حدوث أية أضرار أخرى للبيئة لكي يحصلوا قريباً على أساس سليم ونظيف لبناء هذا المستقبل.

  1. التغلّب على عطش غزة
    ان المياه من الموارد النادرة في الشرق الأوسط، كما أن المياه النقية أكثر ندرة. بعد 38 عاماً من الاحتلال الإسرائيلي والاستغلال لموارد غزة، تنطبق مبدأ ندرة المياه هذه على قطاع غزة.

    • ندرة المياه
      ينبع نقص المياه النظيفة في غزة بشكل أساسي من سياسة إسرائيل في الاستيلاء على المياه الفلسطينية للاستخدام الإسرائيلي بينما تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى مياههم أو تطوير موارد بديلة بصورة مستقلة.
      إن المورد الرئيسي لحصول غزة على المياه الآن هو ما يُسمّى "بحوض غزة"، الذي يُشكّل في حقيقة الأمر جزءاً جغرافياً من الحوض الساحلي الذي يمتد من مصر في الجنوب إلى حيفا في الشمال. ووفقاً للقانون الدولي يجب أن يتم تخصيص المياه من الحوض الساحلي بصورة عادلة ومعقولة لكل الأطراف المعنية.
      هذا يعني وجوب تقاسم المياه من الحوض الساحلي، مثل كل الأحواض الأخرى في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقاً لمبادئ العدل والإنصاف بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن إسرائيل تأخذ أكثر من حصتها العادلة من المياه من الحوض الساحلي بثلاثة طرق: 1- تُقيّد إسرائيل سحب الفلسطينيين للمياه من الحوض؛ 2- تستخدم إسرائيل المستوطنات كقاعدة لسحب المياه الجوفية الجيدة؛ 3- تضخ إسرائيل المياه حول غزة، خصوصاً إلى شرق قطاع غزة، قبل تدفق هذه المياه بصورة طبيعية نحو حوض غزة.
      ​يُقدّر العائد المستدام من حوض قطاع غزة بـ 50 و60 مليون متر مكعّب في السنة. يُشير "العائد المستدام" إلى أكبر كمية مياه يمكن سحبها من الحوض من دون الإضرار بالحوض. تبلغ كمية المياه التي يتم سحبها من الحوض الساحلي أسفل قطاع غزة حالياً 140 مليون متر مكعّب في السنة، أي نحو ثلاثة أضعاف العائد المستدام. ويُسبّب السحب الزائد للمياه من الحوض ملوحة للمياه: إذ كلما سار جدول المياه بصورة أدنى، كان من الأسهل لمياه البحر الامتزاج باحتياطي الحوض. ويُرافق ذلك التلوّث من المصادر الإسرائيلية والفلسطينية ممّا يجعل المياه غير صالحة للشرب، وفي معظم الأحيان غير صالحة للزراعة أيضاً.
      إلاّ أن الحل لمشكلة المياه في غزة لا يمكن أن يكون خفض استهلاك المياه. إن استهلاك الفرد من المياه للغايات المنزلية لا يلبي حالياً المستوى الأدنى البالغ 100/لتر في اليوم الذي وضعته منظمة الصحة العالمية. بينما يستهلك سكان المستوطنات غير القانونية في غزة 700% ، أي أكثر ممّا هو مسموح به للسكان الفلسطينيين، أو أربعة أضعاف الحد الأدنى لمنظمة الصحة العالمية.
      إن الحل لأزمة المياه في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة هو حل بسيط: (1) وقف قيام إسرائيل بسرقة حصة الفلسطينيين العادلة من موارد المياه المشتركة في كافة أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ (2) والسماح للفلسطينيين بالوصول إلى هذه المياه وحرية توليد موارد مياه بديلة؛ (3) وإيجاد رابط مياه بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
    • عدم نقاوة المياه
      لعل المشكلة البيئية الأكثر خطورة في قطاع غزة المحتل ليست نقص المياه بل تدهور نوعيتها. الذي يؤدي بصورة مباشرة إلى تدهور الصحة العامة. هنالك نحو 60% من الأمراض في قطاع غزة ناتجة عن رداءة المياه.
      هنالك ثلاثة أسباب رئيسية لتدهور نوعية المياه في قطاع غزة: (1) سحب إسرائيل لحصة الفلسطينيين من موارد المياه للاستخدام الإسرائيلي الخاص، (2) عدم رغبة إسرائيل بالسماح للفلسطينيين بتطوير مرافق لمعالجة مياه المجاري والنفايات الصلبة في قطاع غزة، (3) وعدم رغبة إسرائيل في السماح للفلسطينيين بتطوير موارد مياه بديلة، والذي يمكن أن يشمل بناء رابط مياه بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
      لا تترك السياسة غير القانونية التي تتبعها إسرائيل في مجال المياه خياراً للفلسطينيين غير السحب الزائد من المصادر المحدودة التي تسمح إسرائيل لهم بالوصول إليها ممّا يساهم في المزيد من التلويث للمياه الفلسطينية.
      يجب أن لا تكون فلسطين أرض نفايات. بل عوضاً عن ذلك أن تكون واحة. يعترف القانون الدولي بحق الفلسطينيين في الحصول على حصة عادلة ومعقولة من موارد المياه المشتركة. ومن أجل الصحة والزراعة الفلسطينية والدولة الفلسطينية القابلة للحياة، يحتاج الفلسطينيون ببساطة إلى حصتهم العادلة من المياه ذات النوعية المقبولة والقدرة للسيطرة على مواردهم الطبيعية الخاصة.
  2. التخلّص من مياه المجاري
    إن عدم قيام إسرائيل بتزويد الفلسطينيين بمرافق كافية لمعالجة مياه المجاري، أو السماح لهم بتطوير مرافقهم الخاصّة، ساهم بصورة كبيرة في نشوء أزمات البيئة والصحة العامة في غزة، بما في ذلك تدهور نوعية المياه.
    يرتبط نحو 60% من سكان غزة بشبكات الصرف الصحي (الأمم المتحدة، 2003)، بينما لا تحتوي مخيمات اللاجئين وخصوصاً الكبيرة منها على شبكات للصرف الصحي. ونتيجة لذلك، تتدفق مياه الصرف الصحي عادة عبر الشوارع.
    إضافة إلى عدم وجود شبكات للصرف الصحي في كثير من الأحياء الفلسطينية، يفتقد قطاع غزة أيضاً إلى مرافق فعّالة لمعالجة مياه الصرف الصحي. فعلى سبيل المثال، تم تصميم مركز بيت لاهيا لمعالجة مياه المجاري لمعالجة 5000 متر مكعب في اليوم، بينما يستقبل اليوم نحو 12000 متر مكعب من مياه الصرف الصحي. ونتيجة لذلك، تشكّلت بحيرة من مياه الصرف الصحي مساحتها 40 هكتار تعمل على تلويث حوض غزة وتُمثّل خطراً صحياً وبيئياً كبيراً.
    تتسرّب كل عام كمية كبيرة من مياه المجاري إلى قسم الحوض الساحلي الموجود أسفل قطاع غزة، مما يزيد في تلويث المصدر الرئيسي الوحيد لمياه الشرب للفلسطينيين في قطاع غزة.
    كما أضرّت المستوطنات تاريخياً ببيئة قطاع غزة بصورة مباشرة. فعلى سبيل المثال انفجر في آذار 2001 أحد مرافق معالجة الصرف الصحي الذي كان يخدم المستوطنات الإسرائيلية، مما أدّى إلى تسرب 3.5 مليون متر مكعّب من مياه الصرف الصحي وإغراق الأراضي الزراعية والمنازل وقلب 30 مركبة. كما أصيب العشرات من الفلسطينيين نتيجة لذلك وقدّرت الخسائر بمئات الملايين من الدولارات (البرنامج البيئي للأمم المتحدة، 2003). وأفادت التقارير بأن الجيش الإسرائيلي كان قد أخلى المستوطنين من المنطقة قبل الانفجار، بينما لم يتم إعلام الفلسطينيين بذلك.
    يحتاج الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية إلى بداية جديدة. بما أن إسرائيل ستبقى محتلة لقطاع غزة بعد "الانفصال"، لن يؤدي التحكّم بالبضائع والناس والموارد التي تدخل أو تخرج إلى تحسّن أزمة المياه التي تعاني منها غزة.
    ومن أجل تجنّب المزيد من التدهور في البيئة والصحة العامة لغزة، يجب أن تسمح إسرائيل للفلسطينيين والمجتمع الدولي بتطوير بنية تحتية مُحسّنة للصرف الصحّي. إضافة إلى ذلك، يجب أن تسمح إسرائيل للفلسطينيين بحصتهم العادلة والمعقولة من موارد المياه المشتركة لضمان حماية الحقوق الفلسطينية الأساسية.
    إن القانون الدولي يفرض ذلك. وسيحقق اليوم التالي "للانفصال" الفرصة لتحقيقه.
  3. الأسبست والمستوطنات
    أعلنت إسرائيل أنها ستفكك المنازل الموجودة في المستوطنات، والمنشآت العسكرية، "والبنى الحسّاسة" الأخرى في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية أثناء "الانفصال". كان الاسبست أحد المواد الضارّة التي استخدمت في المنازل الجاهزة للمستوطنات. من المعروف على نطاق واسع أن الأسبست مادة مُسبّبة للسرطان. ولا يشكّل الأسبست نفسه خطراً على صحة الإنسان، لكن يمكن للغبار الناشئ عنه أن يُسبب سرطان الرئة عندما يُستنشق.
    إذا قامت إسرائيل بهدم المستوطنات بطريقة تجعل غبار الأسبست يتطاير في الهواء، من الممكن أن يُصاب آلاف الفلسطينيين (والكثير من الإسرائيليين) بالسرطان. لهذا السبب، يجب أن تُفكك إسرائيل مستوطناتها غير القانونية بطريقة منظمة ومسؤولة لكي لا تتسبّب بخطر صحّي عام آخر في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
  4. التخلّص من الركام
    إن المواد الموجودة في ركام المستوطنات تُهدد بيئة غزة والصحة العامة لمواطنيها، سوف تؤدي كمية الركام التي ستنتج عن هدم إسرائيل لهذه المستوطنات إلى ذات الشيء.
    كما يتطلب القانون الدولي أن تُعيد إسرائيل الممتلكات التي صادرتها بصورة غير قانونية إلى وضعها الأصلي.
    تُقدّر إسرائيل بأن المباني السكنية في المستوطنات ستولّد 820.000 متر مكعّب من المواد المتراصّة عندما يتم هدمها، وهو ما يساوي نحو 1.200.000 متر مكعب من المواد المنقولة، بينما سيتطلب نقلها حمولة 61.620 شاحنة. لذلك سوف يضر عدم التزام إسرائيل بمسؤولياتها القانونية ببيئة غزة لأن كمية الركام التي ستنتج من 21 مستوطنة إسرائيلية في قطاع غزة ستكون كبيرة ولأن بعض موادها سامّة (أنظر أعلاه: الأسبست والمستوطنات). وبما أن إسرائيل ملزمة قانوناً بإعادة أراضي غزة إلى وضعها الأصلي، لا يمكن لها المغادرة من دون العثور على طريقة لإزالة الركام بطريقة آمنة. كما يُلزم هذا المبدأ إسرائيل بإعادة بناء البنى المهدومة، وإعادة زرع أشجار الزيتون، وإعادة تأسيس حقول الرعي على سبيل المثال.
    يُقدّم "اليوم التالي للانفصال" فرصة فعلية. ويمنح الفلسطينيين القدرة على استغلال هذه الفرصة، يجب أن تقوم إسرائيل بما عليها للتعويض عن الأضرار الناتجة عن 38 عاماً من الاحتلال العسكري، والاستيطان، والاستغلال لموارد غزة والذي دفع ثمنه 1.3 مليون فلسطيني.
Back to top