خطّة "الانفصال" الإسرائيلية: غزة ما زالت محتلة أيلول 2005

اوراق حقائق
تموز 01، 2005

"تكمن أهمية خطة الانفصال في تجميد عملية السلام .... بصورة فعلية، فقد تم استبعاد الدولة الفلسطينية بالكامل من جدول أعمالنا لفترة غير محدّدة .... وكل ذلك بمباركة رئاسية وبمصادقة كلا مجلسي الكونغرس". - دوف فايسغلاس، كبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون

تحليل قانوني:

تنص خطة "الانفصال" عن قطاع غزة التي اقترحتها إسرائيل أنه حالما يتم تطبيقها بالكامل "فسوف لن يكون هناك أساس للادّعاء بأن القطاع أرض محتلة"1، مع أن الخطة تضع تصوّراً لسيطرة إسرائيلية عسكرية واقتصادية غير محدودة على قطاع غزة.

توضح الرغبة الشديدة لدى إسرائيل للإعلان عن إنهاء احتلالها لقطاع غزة الاستراتيجية التي ترتكز عليها الخطة: }أولاً، تسعى إسرائيل إلى إعلان إنهاء احتلالها لقطاع غزة – ظاهرياً من أجل تبرئة إسرائيل من كافة المسؤوليات القانونية "كسلطة محتلة" – بينما تحتفظ في ذات الوقت بسيطرة عسكرية فعلية على قطاع غزة وسكّانه. }ثانياً، تأمل إسرائيل في حشد التأييد الدولي لاحتفاظها بالمستعمرات غير القانونية، وحتى توسيعها، في الضفة الغربية المحتلة مقابل الانسحاب من غزة. كان نجاح هذه الاستراتيجية واضحاً جداً في المؤتمر الصحفي لبوش وشارون في 14 نيسان 2004 عندما أثنى الرئيس بوش على خطة شارون للانسحاب وأعلن أن "المراكز السكانية الإسرائيلية الحالية" في الأراضي الفلسطينية المحتلة ستُصبح جزءاً من إسرائيل في أي اتفاق للوضع الدائم2. }ثالثاً، وكما اعترف بذلك دوف فايسغلاس، تأمل إسرائيل بتجميد عملية السلام لفترة غير محدّدة.

الأشكال المختلفة لهذه الاستراتيجية ليست جديدة: فخلال المرحلة الانتقالية من اتفاقيات اوسلو، تخلّصت إسرائيل بصورة مماثلة من المراكز السكانية الفلسطينية بينما احتفظت بالسيطرة على الحركة والاقتصاد والموارد الطبيعية الفلسطينية. ومع أن إسرائيل احتفظت بسيطرة عسكرية فعلية على المناطق التي تم إخلائها ("منطقة أ") – وبذلك كانت مُلزمة قانوناً بواجباتها القانونية كسلطة محتلة – جادل بعض مستشاري الحكومة الإسرائيلية بأن منطقة (أ) لم تعد منطقة محتلة وبرأوا أنفسهم من كافة المسؤوليات القانونية3. اعتبر العامة، وحتّى بعض الجهات الدبلوماسية، أن الاحتلال قد زال، وأن الأراضي المحتلة أصبحت "متنازع عليها"، وأن الصراع لم يعد بين سلطة محتلة وسكان تحت الاحتلال بل هو نزاع على الأراضي بين طرفين متساويين.

بصرف النظر عن شروط الخطّة، ستبقى إسرائيل وفقاً للقانون الدولي سلطة محتلة بعد الانفصال عن غزة، وهي بذلك مُلزمة بواجبات السلطة المحتلة وفقاً للقانون العرفي الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة.

تم إصدار هذا التحليل القانوني المحدّث لأول مرة في تشرين أول 2004 وما زال ينطبق على الوضع اليوم على الرغم من التطورات الأخيرة الجارية على حدود قطاع غزة المحتل مع مصر وأعمال التنسيق مع السلطة الفلسطينية.

1. إسرائيل تحتل قطاع غزة

أ. إسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية

تصف عبارة "احتلال" نظامآ للسيطرة على الأرض والسكّان من جانب القوة العسكرية لصاحب السيادة الأجنبي4. فعندما يحتل صاحب السيادة الأجنبي الأرض، فإن القانون الدولي يُجبره على الالتزام بمعايير أساسية لحماية السكان الواقعين تحت سيطرته والأرض التي يعيش عليها هؤلاء السكّان5.

لقد أعلنت أنظمة لاهاي لعام 1907 عن المقياس القانوني الأساسي: "تكون الأراضي محتلة عندما تُوضع تحت سلطة جيش معادٍ. يمتد الاحتلال فقط إلى الأراضي التي أتت عليها هذه السلطة ومن الممكن ممارسة هذه السلطة عليها"6. يُمثّل هذا التعريف القانون العرفي الدولي7 حيث تم تأكيده وتفصيل شرحه في محكمة نورمبرغ8، وفي معاهدة جنيف الرابعة (1949) وفي ملحقها الإضافي الأوّل (1979)9، وفي ممارسة الدولة، وفي قرارات الأمم المتحدة، وفي حكم محكمة العدل الدولية10.

لقد احتل الجيش الإسرائيلي في حزيران 1967 الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزّة ("الأراضي الفلسطينية")11. منذ ذلك الحين، حافظت إسرائيل على سيطرة حقيقية وفعلية على الأراضي الفلسطينية والسكان الفلسطينيين الأصليين الذين يعيشون فيها. نتيجة لذلك، تحتل إسرائيل حربياً الأراضي الفلسطينية كأمر قانوني.

ب. يعترف المجتمع الدولي بإسرائيل على أنها السلطة المحتلة للأراضي الفلسطينية

اعتبر المجتمع الدولي بصورة منتظمة ومنذ عام 1967 أن إسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية. لقد دعا جزء من قرار مجلس الأمن 242 إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي "احتلتها"12. منذ ذلك الحين، أكّد المجتمع الدولي – بما في ذلك الولايات المتحدة13 – أن "المناطق" بما فيها القدس الشرقية هي أراضٍ "محتلة" من ناحية قانونية. وقد أكّد مجلس الأمن والجمعية العامّة في أيار 2004 على أن الأراضي الفلسطينية "محتلة" من وجهة نظر قانونية14.

ج. تعترف المحكمة العليا الإسرائيلية بأن إسرائيل هي السلطة المحتلة للأراضي الفلسطينية

تُشير المحكمة العليا الإسرائيلية بصورة روتينية إلى الأراضي الفلسطينية15 على أنها محتلة وتُطبّق القانون الدولي بصورة انتقائية فيما يتعلّق بالتواجد العسكري الإسرائيلي هناك16.

على سبيل المثال قالت المحكمة العليا الإسرائيلية في عام 1979: "هذا وضعُ تَحارُب ومكانة [إسرائيل] في الأراضي المحتلة هي أنها السلطة المحتلة"17. اعتبرت المحكمة العليا الإسرائيلية مرة أخرى في عام 2002 أن الضفة الغربية وقطاع غزة "تخضعان لاحتلال محارب من قبل دولة إسرائيل"18.

أعادت المحكمة العليا الإسرائيلية التأكيد مؤخّراً في حزيران 2004 بأن الأراضي محتلة وفقاً للقانون الدولي19. ومن أجل أن تتوفّر لإسرائيل السلطة القانونية المفترضة لمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية لكي تبني جدارها، أعلنت المحكمة العليا: "منذ عام 1967، احتفظت إسرائيل [بالأراضي الفلسطينية] عن طريق الاحتلال المحارب"20.

ومع أن الساسة الإسرائيليين قد لا يعترفون باحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، تعترف المحاكم الإسرائيلية بصورة مستمرّة بأن الجيش الإسرائيلي هو السلطة المحتلة للأراضي الفلسطينية.

د. تعترف محكمة العدل الدولية بأن إسرائيل هي السلطة المحتلة

اعتبرت محكمة العدل الدولية في تموز 2004 أن "... الأراضي التي احتلتها إسرائيل خضعت لصلاحيتها لفترة تزيد على 37 عاماً باعتبارها السلطة المحتلة"21.

هـ. ما زالت إسرائيل السلطة المحتلة وفقاً لاتفاقيات أوسلو

حافظت إسرائيل على سيطرة عسكرية فعلية على الأراضي الفلسطينية خلال مرحلة أوسلو (تقريباً 1993 – 2000) مُلبّية المقياس القانوني الدولي العام للاحتلال. واستمر الحكم العسكري الإسرائيلي خلال مرحلة اوسلو بمصادرة الأراضي وضاعف تقريباً أعداد السكان في مستوطناته غير القانونية. إضافة إلى ذلك، واصل بناء الطرق الالتفافية والبُنى التحتية، جاعلاً الحركة الفلسطينية أكثر صعوبة. كما نفّذ مراراً العمليات العسكرية داخل وحول المناطق التي تنازل ظاهرياً عن السيطرة عليها.

منذ بداية عملية أوسلو، قدّم بناء إسرائيل لجدارها في الضفة الغربية المحتلة مثالاً آخر على سيطرتها المتواصلة على الفلسطينيين وأراضيهم22. فالجدار، الذي هو عبارة عن نظام من الإسمنت المسلح ، والسياج الكهربائي، والخنادق، والأسلاك الشائكة وأبراج القنص، يفصل الفلسطينيين فعلياً عن مواردهم الزراعية والمائية، ويحد من وصول الفلسطينيين إلى ممتلكاتهم، ويقيّد حركتهم داخل أراضيهم.

إضافة إلى ذلك، أكدت اتفاقيات أوسلو على نحو خاص أن الأراضي الفلسطينية ستبقى تحت الاحتلال الإسرائيلي إلى أن يتم إكمال وتطبيق معاهدة السلام النهائية. ومع أن الاتفاقيات سمحت بإدارة ذاتية محدودة لبعض الفلسطينيين، كرّرت الاتفاقيات بوضوح إعتبار قطاع غزة والضفة الغربية وحدة إقليمية واحدة، وأن الانسحاب من المراكز السكّانية الفلسطينية سوف "لن يُغيّر وضع" الضفة الغربية وقطاع غزة طوال فترة الاتفاقيات23.

أخيراً، اعتبرت الأمم المتحدة24، والمجتمع الدولي25، والمحكمة العليا الإسرائيلية26، ومحكمة العدل الدولية، خلال وبعد أوسلو، أن إسرائيل مُستمرّة في احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة. وأكّدت محكمة العدل الدولية على نحو خاص أن "الأحداث التي تبعت [الحرب عام 1967] ... لم تفعل شيئاً لتغيير [وضع الاحتلال]"27

2. سيبقى قطاع غزة أراضٍ محتلة حتّى بعد تطبيق خطة "الانفصال"

أ. ستحافظ إسرائيل على سيطرة فعلية على قطاع غزة وبذلك ستبقى السلطة المحتلة

سيبقى قطاع غزة في ظل خطة "الانفصال" خاضعاً للسيطرة العسكرية الإسرائيلية. رغم افتراض أن إسرائيل ستسحب وجودها العسكري الدائم، ستحافظ القوات الإسرائيلية على قدرتها وحقّها في دخول قطاع غزة متى شاءت28.

ستحافظ إسرائيل أيضاً على سيطرتها على المجال الجوي لغزة، وشاطئ البحر، والحدود29. وفقاً للخطّة، ستكون إسرائيل هي المسيطرة بصورة أحادية سواءٌ تم فتح ميناء ومطار في غزة أم لم يتم ذلك. إضافة إلى ذلك، ستُسيطر إسرائيل على كافة معابر الحدود، بما في ذلك حدود غزة مع مصر30. كما ستواصل "نشاطها العسكري على طول الخط الساحلي لقطاع غزة"31. هذا يعني باختصار أن كل البضائع والأشخاص الذين يدخلون إلى غزة أو يغادرونها سيخضعون للسيطرة الإسرائيلية.

أخيراً، ستمنع إسرائيل سكان غزة من إقامة علاقات دولية32. وبناءاً عليه، إذا طَبّقت إسرائيل خطة "الانفصال" كما تم تصوّرها، فستُسيطر على غزة إدارياً وعسكرياً33. لذلك، ستبقى إسرائيل السلطة المحتلة لقطاع غزة.

ب. ستبقى إسرائيل السلطة المحتلة لقطاع غزة طالما احتفظت بالقدرة على ممارسة السلطة على القطاع

في "قضية الرهائن"، قدّمت محكمة نورمبرغ التعريف الأساسي للاحتلال الوارد في لوائح لاهاي من أجل التأكّد في أي حال ينتهي الاحتلال34. قرّرت المحكمة أن "اختبار تطبيق النظام القضائي للاحتلال ليس إذا كانت السلطة المحتلة لا تستطيع ممارسة سيطرة فعلية على الأراضي، بل إذا كانت لديها القدرة على ممارسة هذه السلطة"35. وفي تلك الحالة، كان على المحكمة أن تُقرّر إذا كان احتلال ألمانيا لليونان ويوغسلافيا قد انتهى عندما تنازلت ألمانيا عن السيطرة الفعلية على أراضٍ محدّدة لقوات غير ألمانية. ومع أن ألمانيا لم تُسيطر فعلياً على هذه المناطق، قرّرت المحكمة أن ألمانيا بقيت حقيقة "السلطة المحتلة" – في اليونان ويوغسلافيا عموماً وفي الأراضي التي تنازلت عن السيطرة عليها - بما أنه يمكنها الدخول مرّة أخرى والسيطرة على هذه الأراضي متى شاءت.

بصورة مماثلة، ستحتفظ إسرائيل بالسلطة المطلقة على غزة وبصورة أكبر بكثير من ألمانيا في "قضية الرهائن": حيث تحتفظ القوات العسكرية الإسرائيلية لنفسها بصورة واضحة بحق الدخول إلى قطاع غزة متى أرادت. إضافة الى ذلك، سوف لن تحتفظ إسرائيل فقط بالقدرة على ممارسة السيطرة على غزة، بل ستحتفظ كذلك بسيطرة فعلية على حدود غزة ومجالها الجوي والبحري، والسيطرة الأمنية الكاملة، والعلاقات الدولية.

إضافة إلى ذلك، حتّى لو نقلت إسرائيل بعض واجباتها إلى أطراف ثالثة، سواء كقوى أخرى محتلة أو مشاركة في وضع الخطط، سوف تبقى إسرائيل سلطة محتلة طالما احتفظت بالقدرة على احتلال قطاع غزة متى أرادت باستخدام قواتها أو قوات عملائها وشركائها.

ج. يجب على إسرائيل كسلطة محتلة أن تحمي الفلسطينيين وأراضيهم

بما أن إسرائيل ستواصل احتلال قطاع غزة، ستبقى مُلزمة بواجباتها وفقاً للقانون الدولي، أي أنظمة لاهاي لعام 1907، ومعاهدة جنيف الرابعة، والقانون العرفي الدولي. وفقاً للقانون الدولي، يجب أن تُحافظ السلطة المحتلة على واجبات مُحدّدة نحو الشعب والأرض التي تحتلها. وعلى سبيل المثال، يجب أن تُحافظ السلطة المحتلة على حالة الوضع الراهن للأراضي التي تحتلها ولا يمكنها إطلاقاً أن تضم بصورة أحادية أية أراضي أو نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة36. كما يجب أن تكون نشاطات السلطة المحتلة في الأراضي المحتلة، من ضمن أشياء أخرى، لمصلحة السكان الذين تحتلهم37.

ومع ذلك، فإن غياب التواجد العسكري الإسرائيلي "الدائم" وعدم وجود مستوطنين غير قانونيين سيكون تغيّر مهم في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي المحارب الذي مضى عليه 37 عاماً. يوجد في حقيقة الأمر في معاهدة جنيف الرابعة تصوّر لتغيّرات في درجة الاحتلال. ولا يُترجم تغيّر الظروف على أي حال إلى إنهاء للاحتلال38.

لكن بما أن إسرائيل ستحتفظ بهذه الدرجة الكبيرة من السلطة الإدارية والعسكرية على غزة - السيطرة على المجال الجوي، والمجال البحري، وتوفير الخدمات العامة، وكافة المعابر الحدودية، والأمن العسكري، والعلاقات الدولية39 – فإنها ستبقى ملتزمة بكافة بنود معاهدة جنيف الرابعة، وأنظمة لاهاي لعام 1907، والقانون العرفي الدولي المتعلّق بالاحتلال40.

3. الاستراتيجية التي تحفز خطة الانفصال

أ. هناك حافز ديمغرافي لخطة الانفصال

المواجهة الأكبر التي تخوضها إسرائيل ليست ضد "الإرهاب" وإنما ضد الخطر الديمغرافي. تُظهر التحليلات الإحصائية أن الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين سيُشكّلون الغالبية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة بحلول العام 2020. وإذا رغبت إسرائيل في أن تبقى "دولة يهودية"، سيكون من الصعب جداً الحفاظ على هويتها اليهودية إذا استمرّت أقلية أثنية / دينية في حكم الغالبية الاثنية. قال الصحافي الإسرائيلي ديفيد لانداو لصحافي بريطاني أن الخطط المتعلقة بغزة تُمثّل "الحل الأكثر بدائية [للقنبلة الديمغرافية الموقوتة لإسرائيل]: التخلّص من غزة وسكّانها العرب البالغ عددهم 1.3 مليون نسمة على أمل أن "يمنح" هذا [إسرائيل] 50 سنة أخرى"41.

لذلك، فإن أحد الحوافز الرئيسية لخطة الانفصال عن غزة هو "التخلّص" من 1.3 مليون غير يهودي بينما تتم بصورة غير قانونية مصادرة أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية.

ب. تسعى إسرائيل لتعزيز المكاسب في الضفة الغربية مقابل "تنازلات" في غزة

بينما يتحاور العالم علناً بشأن خطة "الانفصال"، تقوم إسرائيل ببناء الجدار في الضفة الغربية المحتلة. يفصل الجدار الفلسطينيين عن أرضهم، ومجتمعاتهم، ومنازلهم، بينما يُصادر بصورة غير قانونية المزيد من الأراضي والموارد الطبيعية للمستوطنات الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك، تُواصل إسرائيل توسيع المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة. منذ أن أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها في 9 تمّوز 2004 بأن المستوطنات غير قانونية، أعلنت إسرائيل عن عطائات لأكثر من 2300 وحدة سكنية في الضفة الغربية.

أصبح نجاح استراتيجية إسرائيل واضحاً خلال المؤتمر الصحفي بتاريخ 14 نيسان 2004 حينما صادق الرئيس الأمريكي بوش، ظاهرياً في محاولة لدعم خطة غزة، على خطط إسرائيل للإبقاء على مستوطنات الضفة الغربية غير القانونية (التي سمّاها "المراكز السكانية الإسرائيلية") في أي اتفاق للوضع الدائم. عبّر الرئيس بوش أيضاً عن معارضة الولايات المتحدة لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم وممتلكاتهم داخل إسرائيل وهو ما يضمنه لهم القانون الدولي.

بعكس مستوطنات غزة، يقطن في مستوطنات الضفة الغربية، التي ستحتفظ بها إسرائيل "مقابل" انسحابها الأحادي الجانب، عشرات الآلاف من المستوطنين غير القانونيين وتمتد أميال كثيرة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي الوقت الذي أخلت فيه إسرائيل 8500 مستوطن من قطاع غزة المحتل وأجزاء من شمال الضفة الغربية، شرعت في خطط لتوطين 30.000 مستوطن جديد في هذه السنة لوحدها، وبشكل خاص داخل وحول القدس الشرقية المحتلة.

بذلك، تُرسّخ إسرائيل وجودها في الضفة الغربية ديمغرافياً وبصورة دائمة. هنالك علاقة محدودة لخطة الانفصال عن غزة بما تتنازل عنه إسرائيل هناك وعلاقة أكبر بما تُخطط إسرائيل للاستيلاء عليه في الضفة الغربية.

4. الاستنتاج: حلول بنّائه

ستُحافظ إسرائيل على سيطرة فعلية عسكرية، واقتصادية، وإدارية على قطاع غزة وبذلك ستواصل احتلال القطاع – حتّى بعد تطبيق خطة الانفصال التي اقترحتها. ولأن إسرائيل ستواصل احتلال غزة، ستبقى مُلزمة ببنود أنظمة لاهاي لعام 1907، ومعاهدة جنيف الرابعة، والقانون العرفي الدولي المتعلّق بذلك.

لكن لا يمكننا القول أن رحيل المستوطنين عن غزة أو تخفيض التواجد العسكري الإسرائيلي داخل وحول قطاع غزة لا يمكن أن يكون البداية لعصر أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين. يُقدّر الفلسطينيون أي تحرّك من جانب إسرائيل نحو الالتزام بالقانون الدولي، و يجعل الالتزام بالقانون الدولي الفلسطينيين أقرب إلى التحرير ويجعل المنطقة أقرب إلى الاستقرار أيضاً. وبتوفير أساليب ليس فيها عُنف لتحقيق نتائج عادلة، يُساعد القانون الدولي على إسكات المواقف والنشاطات المتطرفة ويُقرّب كلا الجانبين من الحل التفاوضي. كما يؤكّد احترام القانون الدولي على مصداقية الدول الأقوى التي تستخدمه دائماً كأساس شرعي لممارساتها.

لكن خطة الانفصال التي اقترحتها إسرائيل لا تُمثّل جهوداً حسنة النية لدعم السلام. فإسرائيل تعتمد إلى الالتزام بصورة انتقائية ببعض المعايير القانونية الدولية في قطاع غزة لكي تتفادى الانتقادات التي توجّه إليها عن الانتهاكات الصارخة التي ترتكبها في الضفة الغربية (بما في ذلك في القدس الشرقية). وبذلك، تضمن إسرائيل أن الصراع سيتواصل وربما تزداد حدّته. وإذا حافظت إسرائيل على سيطرة فعلية على قطاع غزة وحرمته من القدرة على التطور الداخلي أو التبادل الخارجي، من الممكن أن تتحوّل غزة إلى كارثة إنسانية أكبر ممّا هي عليه الآن. أو إذا أعلنت إسرائيل في المحصلة النهائية أن غزة هي "دولة فلسطين"، فقد تُصبح الحرية التي يضمنها القانون الدولي أكثر بُعداً عن الفلسطينيين في الأماكن الأخرى.

يجب أن يضمن المجتمع الدولي أن تكون أية إجراءات أحادية الجانب تتّخذها إسرائيل متوافقة مع القانون الدولي وأن لا تُستخدم لتبرير الانتهاكات للقانون الدولي في أماكن أخرى.

تعمل إسرائيل الآن على توفير الوحدات السكنية لـ 30.000 مستوطن جديد في الضفة الغربية المحتلة في هذه السنة لوحدها، وبشكل خاص داخل وحول القدس الشرقية. ويبلغ عدد هؤلاء المستوطنين حوالي أربعة أضعاف عدد المستوطنين الذين تم إخلائهم من قطاع غزة المحتل كجزء من خطة "الانفصال".

لدينا الآن فرصة تاريخية للسلام في الشرق الأوسط. وعِوضاً عن إعلان غير قانوني بإنهاء الاحتلال على أقل من 4% من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها، يجب أن تتفاوض إسرائيل مع القيادة الفلسطينية الجديدة لإنهاء الصراع.

إن السلام هو الذي يضمن الأمن للفلسطينيين والإسرائيليين، والسلام الدائم هو الذي يتم باتفاق الطرفين. يدرك الطرفين أُطر أي اتفاق للوضع الدائم والفرصة متوفرة لتحقيق ذلك. كما أن لدى الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي الإرادة اللازمة. سوف تعمل العودة الفورية إلى المفاوضات الثنائية، وبمشاركة المجتمع الدولي كوسيط، على إحداث تغيرات دائمة وايجابية في الشرق الأوسط.

Back to top